لا يحتاج المرء إلى تحليل أو قراءة معمّقة كي يكتشف أنّ حكومة الرزاز تواجه اليوم في “ماراثون الثقة” مزاجاً نيابياً حادّاً، فيكفي أن تقرأ العناوين الرئيسة للأخبار اليومية حتى تلاحظ ذلك!
“نواب الجنوب يعلنون حجب الثقة”، “الحباشنة: المواطن ضحية الرزاز”، “عطية: بعد بيان الرزاز: الله يعين البلد”، “الفايز: بيان الرزاز ضعيف”، “الطراونة: مشادّة بين وزير المالية ونائب”، فضلاً عن حملة عرمرمية يقودها نواب أقوياء في المجلس لحجب الثقة عن الحكومة.
ما هو تفسير هذا المزاج النيابي، الذي قد يكون غير مسبوق مع حكومة ما تزال لم تأخذ الثقة بعد، ولم يمض على تشكيلها سوى أسابيع قليلة، بدت وكأنّها عام كامل؟!
أوساط القرار تفسّر ذلك بأنّ مجلس النواب مجروح، ويشعر بأنّه تضرر كثيراً خلال الفترة الماضية، وأنّ النقابات والشارع سحبوا البساط من تحت أقدامه، لذلك يسعى النواب للتأكيد على أنّهم يملكون القوة وهم ممثلو الشارع.
البعض الآخر يرى بأنّ أرقام الاستطلاعات خلقت هذا المناخ السلبي، إذ أظهر استطلاع مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية (على سبيل المثال) تراجعاً ملحوظاً (وصل إلى 14 %) في شعبية المجلس الضعيفة أصلاً (عموماً هنالك فجوة ثقة بالمؤسسات السياسية جميعاً).
ثمّة اتجاه آخر يرى بأنّ التشكيل أثار هذه “الزوبعة النيابية” ضد الحكومة، ليس من زاوية الرأي العام الذي انتقد بقاء أكثر من نصف الحكومة، بل من زاوية “الأسماء” التي اعتبرها نواب محسوبة على المعارضة أو الحراك أو الاتجاه النقدي للسياسات الرسمية.
في النهاية: هل ستعبر الحكومة هذا المنعطف المفصلي وتأخذ الثقة وسط هذا المناخ الحادّ؟ وهل يمكن أن تساعد “وساطات سياسية” الرزاز بتخفيف حدّة الاحتقانات أو إيصاله لعلامة النجاح مع مجلس نواب لم نسمع فيه صوتا واضحا إلى الآن يدافع عن الحكومة أو يتبنى روايتها!
لو ذهبنا باتجاه السيناريو الأبعد وهو أن يقوم مجلس النواب بممارسة صلاحياته الدستورية وحجب الثقة عن الحكومة، فهل هذا سيرفع من رصيد المجلس ويغيّر “الصورة النمطية” التي ارتسمت عنه، ليس اليوم، ولا مرتبطة بالاحتجاجات الشعبية الأخيرة على حكومة الملقي، إنّما هي صورة متراكمة عبر أعوام طويلة لم تتغيّر جذرياً، حتى بعد تغيير قانون الانتخاب؟
لا أظنّ ذلك، بصدق، بل ربما ذلك يخدم الحكومة ويعزّز من شعبيتها، ويضرّ بصورة الدولة وأكثر بمجلس النواب، لأنّ الحكومة لم تختبر بعد، ولأنّ المجلس مرّر حكومات لم تعلن أي برامج إصلاحية أو مراجعات، ولم تعترف بالأزمات، بل مارست حالة الإنكار، ومع ذلك فلم ينجح المجلس في إسقاطها، فلن يسجّل له بعد ذلك إنجاز وطني بإسقاط حكومة بنفس إصلاحي، لم تختبر بعد، ولم نعلم – نحن المواطنين- فيما إذا كانت قادرة فعلا على تنفيذ وعودها أم لا؟!
مجلس النواب مستفزّ! هذا صحيح، وهو يريد إثبات وجوده اليوم، والدفاع عن نفسه، وهو شعور طبيعي، لكن ذلك لا يكون بالوقوف على الجزئيات ولا بالتصريحات أو بحجب الثقة عن حكومة تحظى بقدر كبير من تأييد الرأي العام (كما ظهر في استطلاعات الرأي العام الأخيرة) بل بأن يقوم المجلس بتقديم خطاب سياسي- حضاري ونقد منهجي للبرنامج، ومراقبة الأداء لاحقاً بما يحقق الوظيفة الرقابية الجوهرية في العمل الدستوري لمجلس النواب.
د. محمد ابو رمان