كلما انفجرت قضية فساد جديدة، أيًا كان مضمونها او شكلها، يأخذنا هذا الانفجار الى الاستخلاص ذاته كل مرة، اي وجود شبكات تحمي الفاسدين، او ترعاه، او تشاركه، او تتستر عليه.
لا يمكن لفاسد ان يعمل وحيدا، ولابد له من شركاء اولا، شركاء نافذين، اضافة الى مساعدين، يتولون تفاصيل كثيرة، ولو عدنا الى كل قضايا الفساد في الاردن، لوجدنا ان لها رأسا اساسيا، وهناك شركاء من مستويات مختلفة، وعناصر تساعد في حماية الفاسد، او تدعمه في فساده، بحيث تنال حصتها المالية.
هذا يعني ان حالات الفساد الفردية، هي الاقل خطورة، لان الفساد الفردي، مثل الرشوة، والعمولة، حالات على خطورتها تعد بسيطة، مقارنة بحالات الفساد التي يقف خلفها شبكات كاملة، وهي شبكات ممتدة في القطاع العام والخاص، ومن المستحيل ان يقدر اصحابها على ممارسة فسادهم، دون ان يكون معهم اشخاص وشركاء ومساعدون في مواقع عديدة.
هذا يعني ان هناك دويلة للفساد قابعة تحت الارض، وعمليات التطهير، على ما يبدو غير كاملة، لانها في كل مرة، تركز على اسم هذا الفاسد او ذاك، ولم نسمع حتى الان عن اسقاط كل الشبكة التي تحمي فاسدا، او تشاركه، او ترعاه، او تقدم له خدمة هنا او هناك، عبر اسماء او واجهات او مستفيدين.
كل هذا يقودنا الى امرين، اولهما الحاجة لفتح العيون على القطاع العام، او قطاع موظفي الدولة، وما يتعرضون له، او يقدمه بعضهم من خدمات صغيرة او كبيرة، للفاسدين، وما يفعله القطاع الخاص ايضا، بالطريقة ذاتها.
حين نسمع ونقرأ التصريحات الرسمية وما تسرب ايضا من معلومات بخصوص فضيحة السجائر، بكل فصولها من حيث الانتاج والتهريب، وغير ذلك من تفاصيل مالية، ندرك ان هكذا قضية لا يمكن ان تكون لولا وجود شركاء متنفذين، ووجود اشخاص سهلوا كل المخالفات التي اثيرت، وهذا يعني اننا اليوم امام خلاصة تقول ان الفساد، لم يعد حكرا على الكبار، بل بات حالة يتشارك بها الكبار والصغار، وما بينهما من طبقات. نحن امام عصابات بما تعنيه الكلمة.
التحدي الاخطر امام حكومة الرزاز، ليس ملاحقة الفاسدين في هذه القضية وحسب، بل القدرة على مواجهة الشبكات ذاتها، شبكات الحماية، المزروعة في بلادنا، كما الالغام في الارض، وفي هذه الحالة تحديدا، فإن كل اجهزة الدولة مطالبة بـتأمين الحماية لرئيس الحكومة وحكومته، في وجه هذه الشبكة، وغيرها، لان لديهم القدرة على تثوير الرأي العام، والتآمر على الاستقرار الداخلي، واسقاط الحكومة، كونها اقتربت من عش الدبابير كما يقال، ونحن امام اختبار حقيقي، اذا ما كانت الدولة تريد محاربة الفساد حقا، ام ان هذا مجرد عنوان، له حده وحدوده؟.
سنرصد بكل عمق، ردود الفعل، والحرب التي قد تندلع الايام المقبلة، ضد هذه الحكومة، على خلفية هذا الملف، وهو امر متوقع، لكن الاخطر منه، ترك الحكومة لمواجهة هذه الطبقات الفاسدة، التي لها جماعاتها في كل مكان، وهي قادرة على خلط الاوراق مجددا، وتصفية خصومها سياسيا، او بكل السبل.
في كل الحالات لا يمكن ان نتلهى بهذه القضية عن غيرها، واذا كان للفساد شبكات حمايته، فقد آن الاوان ان يكون للحرب على الفساد، شبكات حماية، ايضا، والا فإننا سنكون امام مشهد يثبت ان الدولة غير قادرة على محاربة الفساد وجماعاته، او تتساهل معه، لاعتبارات مختلفة، وهو مشهد لا نتمناه، أبدا، خصوصا، ان القصة الاخيرة، اختبار لبنية الدولة، قبل ان تكون مجرد اختبار للحكومة.
…وما خفي أعظم.
ماهر ابو طير