كتّاب

الذين يعبثون بالأردن

الذين يعملون في الإعلام، يتسمّم دمهم، يوميا، قبل غيرهم، واكثر من غيرهم ايضا، لان كواليس الاعلام تأتيك بالمعلومات كاملة، فتتنزل عليك الجرعة، دون مخففات، هذا فوق ان الاعلام ذاته يأتيك بكم هائل يوميا، من الاخبار السلبية، وبسبب مهنتك تتلقاها كلها، عكس غيرك، الذي يختار ما يقرأ وما لا يقرأ.

في اعلام الاردن، لا تجد خبرا سعيدا، كلما قلبت الصحف، وجلت في المواقع الالكترونية، وتلقيت حصتك من الاذاعات وشبكات التلفزة، ووسائل التواصل الاجتماعي، لا تجد خبرا يرفع المعنويات، وكلها اخبار وتعليقات ومشاركات، من قبيل، عصابة لتصنيع السجائر، عصابات مخدرات، اغذية فاسدة، اطلاق نيران هنا او هناك، جرائم قتل، غلاء، مظاهرات، احتجاجات، ارتفاع اسعار، لاجئون قرب الحدود، مخالفات جراء استعمال الموبايل، رفع اسعار المخابز، تهديدات داعش، خطابات حامية في البرلمان، سياسيون يهددون، وآخرون يعترضون، واحزاب قلقة، واتهامات في كل خبر ومعلومة، وعصبية في كل مفردة وكلمة وتعبير.

لو هربت من كل هذه الجرعات الى الاعلام العربي، لكان الحال اسوأ ايضا، مظاهرات في العراق، قتلى في سوريا، تفجيرات في الصومال، مشاكل اليمن، دم في ليبيا، اقتحامات الاقصى، يهودية اسرائيل، فساد في هذا البلد وذاك، وحيثما وليت وجهك، تنزلت عليك قصة فيها خوف وذعر ودم، وحياة لا تبشر بأي خير، لا في واقعنا ولا مستقبلنا، لان كل هذا يستحيل ان يكون مقدمة لخير، فالعالم العربي، لم يعد يصلح للحياة الادمية.

هكذا اذاً يتحالف الاعلام المحلي، مع الاعلام العربي، في انتاج السلبية، دون قصد، لان هذا هو الواقع، وتسأل نفسك هل كنا هكذا على الصعيد الاردني حصرا، لكن التغطية كانت غائبة، لكون الاعلام الالكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي والاذاعات وشبكات التلفزة، كانت غائبة ايضا، ام ان هذا وضع جديد، استجد على الاردن، وحياته، وكل ما يفعله الاعلام هو نقل الحقائق فقط؟!.

في الاغلب تغير الاردن، على مستوى بنيته الاجتماعية والسياسية، والمحرمات التي كانت سائدة، سابقا، لم تعد محرمات، اذ حين تقرأ عن عصابة تبيع كميات هائلة من زيت الزيتون المغشوش، تدرك انك امام قتلة، لديهم الاستعداد لقتل الناس، وحين تقرأ عن عصابة ثانية تبيع سجائر مغشوشة، تدرك ايضا، ان هؤلاء لم يكتفوا ببيع السجائر على ما فيها من اضرار، بل انتجوا انواعا مغشوشة واضرارها مضاعفة، فتسأل هل هذه قضية امن اقتصادي، حقا، ام شروع بالقتل؟!.

لا يمكن للاعلام ان يخفف من هذه السلبيات، التي يتم حقن العصب العام بها يوميا، الا عبر طريقة واحدة من اثنتين، اما ان يتغير المجتمع ويسترد قواعده القانونية والاخلاقية، مثلما كان تاريخيا، واما ان يأتينا الاعلام بقصص ايجابية، عن البلد وما فيه، قصص ترفع الرأس، وعندنا منها الكثير، من اجل التوازن ، لكن الواقع القائم يقول ان استدراج الاعلام للسلبية فقط، بذريعة التغطية لما هو حاصل فقط، امر يتوجب ان تتم مراجعته، لان الحد الفاصل بين كشف الحقيقة واشهارها، وهدم الروح المعنوية، حد دقيق جدا.

لا استغرب ابدا، حين اسمع احدهم يقول، لم اعد اقرأ صحيفة، ولا افتح موقعا الكترونيا، ولا اتابع محطة تلفزة، فقد هلكت اعصابه، وتعب، هذا فوق تلوين يومه بالسلبية والشعور بالاحباط، وهنا لابد ان نؤشر على نقطة مهمة جدا، فالمسؤولية ليست مسؤولية الاعلام، وهو ليس متهما هنا، بكونه مصدر السلبية، بل ان كل الواقع تغير في هذا البلد، ولا مفر من هذا الحال، حتى الان.

سابقا حذر كثيرون، من الاردن الجديد، الذي يتم انتاجه بطرق مختلفة، ولم يستمع احد، وها نحن امام وطن بمواصفات مختلفة، بعد خلخلة البنى الاجتماعية، والسعي لتكسير كل المعايير التي عرفناها، وكانت سبب حمايتنا جميعا، ولعلنا اليوم، نسأل عن المستفيد الاول والاخير، من هذا الاردن الجديد الذي يراد تقديمه باعتباره الاردن، فيما هو نسخة مزيفة عن الاردن الذي ربانا وعرفناه؟.

يبقى الاعلام امام هذه المحنة، محنة التورط في اشاعة السلبية، من حيث النتيجة، فيما حقيقة دوره اشهار الحقيقة، وهذا يقول ان كل المشكلة تكمن في الحقيقة الجديدة، اي اعادة صياغة الاردن، على يد السحرة والمشعوذين السياسيين، ومن والاهم سرا وعلنا.

ماهر ابو طير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *