في الوقت الذي تنشغل فيه الأمة العربية بصراعاتها وينشغل الزعماء في مسلسل تصفية الحسابات، تمضي إسرائيل في تنفيذ مخططاتها وبروتوكولات زعمائها من دون هوادة أو تردد. على الساحة المحلية جاء ذلك ونحن نطارد الدخان المتطاير من فضيحة المصانع والمزارع والشلل التي تكاتفت على إدارة وتسيير نشاطات اقتصادية في منأى عن القوانين وأعين السلطات أو بالقرب منها.
خلال الأيام الماضية، ناقش الكنيست الإسرائيلي القانون الأساسي ليهودية الدولة وأقره بأغلبية 62 عضوا ومعارضة 55 وغياب اثنين من الأعضاء. القانون الجديد الذي تجاهل الوجود العربي واللغة العربية والحقوق السياسية وحتى المدنية لأكثر من مليون وربع مليون فلسطيني مزقه النواب العرب وأعلنوا احتجاجهم الصارخ على إقراره.
في النسخة المعدلة التي جرى إقرارها، تتقدم القومية على الديمقراطية وتتوقف الكثير من الحقوق التي تمتعت بها الأقليات؛ فاللغة الرسمية هي العبرية وحق تقرير المصير شأن يهودي والاستيطان في كل الأراضي حق يهودي تعمل الدولة على تيسيره وحمايته. الديمقراطية التي تغنت بها إسرائيل تختفي تماما عندما يكون لها تعارض مع القومية، فالأفضلية في التشريع للاعتبارات القومية ولا قيم أخرى تتقدم عليها.
المدهش فيما جرى، ورغم الإدانات العربية والعالمية، أنه لا مشروع عربيا في المقابل ولا استجابة موازية من قبل السلطة التي وجدت على افتراضات أن هناك دولتين يجري التفاوض على حدودهما وسكانهما ومياههما وعاصمتيهما وغير ذلك من القضايا التفصيلية.
القانون الجديد صفعة قوية لوجود السلطة الوطنية الفلسطينية وأدبيات حل الدولتين ومسيرة المفاوضات التي أوقفت الانتفاضة ووفرت واجهة آمنة اختبأ خلفها الإسرائيليون لينفذوا كل ما تضمنه مشروعهم من استيطان وتهويد وقضم للأراضي ونحن نجلس على مقاعد الرفض والإدانة والشجب.
في الوقت الذي ما تزال فيه روح المقاومة موجودة ومتجددة لدى الشباب، يشعر البعض بوجود صراع محموم بين أقطاب السلطة الوطنية على خلافة الرئيس. البعض يسعى بكل ما أوتي من إمكانات الى تعميق تحالفاته الداخلية والخارجية والحصول على مباركة القوى العربية والغربية الفاعلة من أجل أن يحظى بكرسي الرئاسة التي لم يعد لها دور يذكر.
القانون الجديد إعلان صريح حول عنصرية الدولة اليهودية ومعاداتها للقيم الإنسانية. المواجهة التي يخلقها القانون الجديد تتطلب صياغة مشروع عربي يحدد الخيارات الفلسطينية ويسعى الى تقديمها ودعمها. من غير المعقول استمرار هذا التبلد والاسترخاء بانتظار أن ندين أو نرفض ونشجب ما يقوم به الإسرائيليون. فما قامت به إسرائيل اعتداء صارخ على حقوق المكون العربي والدرزي والمسيحي والإسلامي داخل إسرائيل، وهناك اعتداء على التاريخ والقيم والتراث الروحي والمادي وغير المادي للكثير من الأمم والأديان.
فكرة الدولة القومية التي نادى بها هيرتزل قبل 122 عاما ووعد بها بلفور قبل 100 عام تتنافى مع معايير وثقافة حقوق الإنسان وحقوق الشعوب والأديان، وهي تحتاج الى مشروع جديد يفضح هذه الممارسات ويقف في وجهها.
اليهود حددوا أهدافهم وملامح مشروعهم ووضعوا مخططات التنفيذ في مواقيت معلومة. فبعد أن تم إنهاك وتدمير المجتمعات والأنظمة العربية وإشغالها في صراعاتها الداخلية، نجحت اليهودية العالمية ومن خلال الإدارة الأميركية في إخراج القرار الذي اتخذه الكونغرس الأميركي في تسعينيات القرن الماضي والمتعلق بالاعتراف بالقدس عاصمة للدولة اليهودية من حالة التجميد الى حالة التنفيذ وجرى نقل السفارة الأميركية الى القدس في احتفال كبير عشية الذكرى السبعين لتأسيس الكيان الإسرائيلي في فلسطين. وخلال الأيام القليلة الماضية، تشجع المجلس التشريعي الإسرائيلي ليشرع بقراءة قانون قومية الدولة اليهودية الذي اعتقد الإسرائيليون أن الأجواء سانحة لتمريره، خصوصا بعد أن اختفت القوى والأحزاب والنظم العربية التي تأسست على أساس قومي. فقد تم ضرب وتدمير العراق الذي مثل أعمق تيارات المد القومي وأجهز على النظام السوري تحت عناوين الحرية والتحرير والديمقراطية، وتلاشت الروح الناصرية في الكيان المصري، وأصبحت إيران العدو الأبرز للعرب الذين قد لا يمانعون في التعاون مع أي شريك يساعدها على الوقوف في وجه الخطر الإيراني المتنامي.
استمرار انشغالنا بقصص الولاية والخلافة والملاحقة للفساد الظاهر والخفي وتبلد فضاءاتنا بدخان الفساد ورائحته البغيضة من السواتر التي تحول بيننا وبين الرؤية الواضحة للمستقبل.
د. صبري الربيحات