عام 1993 أحال الملك الحسين على التقاعد عشرة جنرالات. ركب الطائرة وسافر مطمئنا الى ان الجنرالات العشرة لن يقودوا تمردا، وان كل فرد في جيشه المحترف سيطيح أي إنقلاب على العرش الهاشمي الذي يرتضيه ويحبه. ودعنا الملك في المطار وعدت مع الدكتور خالد الكركي رئيس الديوان الملكي الى الديوان وفي الطريق قلت له ان يتخذ زعيم في العالم الثالث هكذا قرارات ويسافر مطمئنا، هذا لا يحدث الا في الأردن. فلا ثقة في جيوش العالم الثالث برتبة عقيد، فما بالك برتبة جنرال، بعدما قاد العقيد معمر القذافي والعقيد علي عبدالله صالح انقلابين في المملكة الليبية والجمهورية اليمنية، وسيطرا على الحكم.
استذكرت حينذاك فيلم «ليلة الجنرالات» الذي انتجته شركة كولومبيا عام 1967 وقام بأدوار البطولة فيه، عمرالشريف وبيتر اوتول واخرجه سام سبيجل.
بعد عودة الملك من السفر اخبره الدكتور خالد بما قلته فضحك وطلب حضور الفيلم.
في تشرين الثاني 1992 كان الملك الحسين يتأهب الى العودة للاردن من رحلة العلاج الأولى، فسرت اشاعة ان الملكة الوالدة زين الشرف قد انتقلت الى الرفيق الأعلى، وان الملك اتصل من لندن وأمر بكتمان خبر الوفاة وبوضع الجثمان في الثلاجة الى حين عودته لعمان، كي لا تفسد مراسم احتفالات الشعب بعودته. كانت الاشاعة تعني ان قلب الملك الحسين كحجر الصوان.
كنت «مدير الاعلام والعلاقات العامة للديوان الملكي» وكان عليّ ان أُعِدّ نفيا لتلك الاشاعة الحقيرة يتمثل في ترتيب زيارة طلاب مبرة أم الحسين للملكة الوالدة في قصر زهران، وبث خبر استقبالها الايتام في التلفزيون.
أرسلنا الإقتراح الى الملك في لندن طلبا للتوجيه. فجاء الرد حاسما: لا تنفوا.
وصل الملك الى مطار ماركا. سجد على ارض المطار شكرا لله، وأمر الموكب الملكي بالتوجه الى قصر زهران. هناك التقط حنا فراج الصورة الخالدة التي يقبّل فيها الملك الحسين يدي الوالدة التي كانت في استقباله واقفة على مدخل قصر زهران. نفى الملك الاشاعة الرخيصة وحصلنا على الصورة الاجمل التي تمثل ذروة تبجيل الابناء للامهات.
يغادرنا الملك عبدالله في رحلة عمل واستجمام فينبري من يتجاوز اعرافنا في مخاطبة الملوك ويوجه سؤالا شبه استنكاري: أين أنت؟! منذ متى نخاطب ملكنا بهذه اللهجة؟! لا نفعلها مهما كانت الدوافع نبيلة ووطنية وصادرة عن قلق وحرقة ومحبة.
أصبحت «ستاندرد» الضغوط الهائلة المعروفة التي تقع على الملوك والرؤساء والقادة، وخاصة على ملكنا وعلى قادة إقليمنا الدامي، الضغوط السياسية والاقتصادية والأمنية والاجتماعية والدبلوماسية. ولو سألتم شبابنا الذين يعملون في التشريفات الملكية وتشريفات رئاسة الوزراء وتشريفات الخارجية لسمعتم منهم شكاوى على ساعات العمل الطويلة الدقيقة المرهقة عالية التوتر والجاهزية، التي هي على الثانية وعلى السنتمتر.
تفيد مَنْ معرفةُ امكنة إقامة الملك، التي يقضي فيها فترة راحة –وعمل- في الخارج؟!
تفيد الصحافة العالمية المتربصة، وتفيد الإرهاب الدولي المتربص، الذي نحن رأس الحربة في مقارعته. معرفة امكنة إقامة الملك في الخارج، تضر امننا الوطني.
والإفصاح عن امكنة إقامة الملك في الخارج ليس من اختصاص الملك والملكة وولي العهد والامراء، وليس مسموحا لأحد الإفصاح عنها؛ هذا ما يحدده ويريده ويصر عليه ولا يتهاون فيه، حتى مع الملك، جهاز مخابراتنا العملاق.
اخذ الملك وقته، الموزع بين الاستجمام وبين الاتصالات الدولية والداخلية؛ لأنه في ذروة الاطمئنان والثقة بالمؤسسات الوطنية كلها، والاهم ثقته بالمواطن الذي لا يقبض الإشاعات المغرضة -على غرار إشاعة إخفاء خبر وفاة الملكة الوالدة-. ويحب المواطن الأردني ملكه ويدفعه الحرص على الاطمئنان عليه وتتبع اخباره.
الملك مطمئن الى صحة وقوة إجراءات مواجهة غدة الفساد الأخيرة. فالمداهمات «على ودنه» والمحاكم منعقدة. البلاد في فقر صحيح لكنها ليست في خطر، ولو كانت كذلك فلا يغادرها ملكها الهاشمي بل يعود اليها بلا ابطاء.
محمد داودية