بعد أن أوشكت الأزمة السورية على النهاية ، وبعد اسدال الستار على جيوب درعا والقنيطرة، بقيت بعض الجيوب المتوقعة في ادلب وعلى الحدود التركية ، مما يجعل الأمور تسير نحو الاستقرار على الصعيد السوري ، وسوف نبدأ مرحلة جديدة في الدولة السورية على صعيد إعادة بناء الدولة بشكل جديد مختلف عما سبق ، ومن خلال النظر في الدستور المقترح من قبل روسيا ، والنظر في مخرجات الاتفاق الأمريكي الروسي ، تبرز معالم الدولة الفيدرالية أو الدولة اللامركزية ، وقد تحققت الخطوة الأولى من الناحية العملية من خلال الاتفاق مع الأكراد على صيغة حكم ذاتي كردي مرتبط بالدولة المركزية ، وربما سوف يكون ذلك نموذجاً للأقاليم السورية الأخرى .
انتهاء الأزمة السورية يقتضي حتماً على جميع الدول المجاورة أن تتعامل مع الواقع الجديد ، حيث ان المنطق السياسي يفرض عدم الاستمرار بالاشكال السابقة التي كانت تقتضيها طبيعة الظروف القائمة ، وهنا يمكن الاشارة إلى الأردن على وجه الخصوص اذ عليه أن يعيد تقييم الواقع الجديد بعلمية وموضوعية بعيداً عن الحساسيات التي خلفتها الحرب السابقة ، وضرورة النظر إلى تقدير المصلحة العامة .
الأردن في السابق حاول أن يتخذ موقفاً متوازناً بما يحقق الأمن والاستقرار على الحدود الشمالية ، ومراعاة البعد الانساني في التعامل مع حركة اللجوء الكثيفة ، وفي الوقت نفسه دعا إلى أن الحل ينبغي أن يكون سياسياً وقد دفعت الأطراف المتصارعة ثمناً باهظاً عندما دخلت في الحل العسكري واستخدام القوة ، الذي ادى إلى الحاق الأذى في بنية الدولة ومؤسساتها ، وألحق الأذى بالشعب السوري من حيث عدد القتلى والجرحى والمهجرين وتدمير البنية التحتية في كل مسارات الحياة وعلى جميع الاصعدة ، ولكن نحن أمام لحظة جديدة مختلفة ، تقتضي من جميع الأطراف تقديم العون والمساعدة من اجل إعادة بناء الدولة السورية الموحدة ، ويجب عدم إدامة النظر إلى الخلف واثارة كوامن الخلاف السابقة ، وضرورة الانخراط في معركة البناء .
المصلحة الأردنية تظهر بوضوح من خلال عودة الاستقرار إلى سوريا ، وانتهاء الأزمة وبذل الجهد على انجاح عملية إعادة بناء الدولة السورية القوية القادرة على حفظ أمنها وحدودها وفرض استقرارها ، وحفظ الحدود الأردنية السورية يكون وفق اتفاقيات مشتركة تحفظ حق الطرفين ضمن منظومة تعاون منضبطة من أجل عودة الحياة السابقة إلى طبيعتها العادية ، والمسألة الأخرى تتمثل في كيفية عودة اللاجئين إلى أرضهم وديارهم بسلام ، وهذه تشكل مصلحة سورية – أردنية مشتركة ، وقبل ذلك إنسانية وقومية وأخوية .
انهاء الأزمة السورية سوف يؤدي أولاً إلى فرض تسوية سورية – سورية ، وهذا يجعل سوريا الجديدة قاعدة اساسية لمجمل التسويات الإقليمية الأخرى المؤجلة، قبل التسوية اللبنانية – اللبنانية، والفلسطينية الفلسطينية ، وبعد ذلك سوف يأتي دورالتسوية الفلسطينية – (الاسرائيلية)
والتسوية الإقليمية الشاملة ، ولكن يمكن القول بأن التسوية السورية سوف تكون مدخلاً للتسويات الإقليمية برمتها ، وهنا يجدر الاشارة إلى ضرورة العمل على توحيد الأطراف العربية على استراتيجية موحدة بالتعامل مع المحطة الجديدة بعيداً عن النظرة القطرية المجتزأة ، وبعيداً عن العبث الفردي الذي يمارسه بعض الزعماء السياسيين العرب الذي يلحق الضرر بالموقف العربي بمجمله ، ويعود بالضرر على مستقبل الأقطار العربية كلها دون استثناء .
د. رحيل غرايبة