اخبار الاردن – يتباهى بسام (اسم مستعار)، بعقد قرانه على ثلاث فتيات خلال فترة زمنية قصيرة، ومن ثم تطليقهن جميعاً قبل الدخول بهن، رغم أنه ما يزال “أعزب” وفق سجلات دائرة الأحوال المدنية والجوازات!.
ذهول يخيم على أصدقاء بسام، الذين كانوا يستمعون لحديثه بجلسة خاصة، لتثور عاصفة من الأسئلة: هل لديك واسطة؟!، هل قمت بتزوير المعاملات الرسمية؟!. لكن الذهول والدهشة يتلاشيان عندما يجيب ببساطة أنه لم يوثق عقد قرانه رسميا بسجلات الأحوال المدنية رغم أنه يجري رسميا وشرعيا بمحكمة شرعية، لكنه لا يراجع بعدها “الأحوال” لتوثيق واقعة عقد القران وإصدار دفتر عائلة، وأيضا عدم تثبيت طلاقه أمام “الأحوال”، ما أبقاه “أعزب” في السجلات الرسمية.
يروي بسام، الذي يعمل صيدلانياً في السعودية تفاصيل قصته، فيقول: “استثمرت إجازتي الصيفية للخطبة والزواج، فخطبت فتاة وعقدت قراني عليها، ولم نتوافق فتم الطلاق قبل الدخول بها، وكذلك خطبت أخرى وحصل ما حصل مع الأولى، وفي المرة الثالثة، وبناء على طلب والد العروس، الذي أصر على التأكد من عدم زواجي سابقا، ذهبنا لدائرة الأحوال المدنية والجوازات، وتفاجأت بظهوري أعزب بكشوفات الأحوال، يعني (كرت أبيض)”.
بسام واحد من 26 ألف شخص لم يتم توثيق زيجاتهم بسجلات دائرة الأحوال المدنية خلال العام الماضي، بسبب غياب الربط الإلكتروني بين الجهات المعنية، المتمثلة بدائرة الأحوال المدنية ودائرة قاضي القضاة، فيما لم يبادر أصحاب هذه الزيجات الى مراجعة “الأحوال” شخصيا لتوثيقها.
وبلغ عدد حالات الزواج التي سجلت لدى المحاكم الشرعية العام الماضي، بحسب إحصائية حصلت عليها “الغد” من دائرة قاضي القضاة، 78904 واقعات زواج، في حين بلغ عدد المسجل منها في العام ذاته في دائرة الأحوال المدنية 52620 حالة فقط.
اختلال يفتح باب الشرور
عدم إلزامية توثيق حالات الزواج والطلاق وغياب الربط الالكتروني بين الدائرتين لم تتوقف آثاره السلبية عند المشكلة التي وجد بسام نفسه فيها، وإنما فتح باباً خطيراً لظهور جرم “تعدد الأزواج” لسيدات في سجلات المحاكم، وفق ما توصل إليه معد التحقيق؛ حيث تستغل بعض السيدات هذا الاختلال لارتكاب جرم الزواج من رجل آخر، رغم أنها على ذمة رجل أصلا، وهو ما يحرمه الشرع والقانون.
وفي هذا السياق، اطلعت “الغد” على 18 قرارا قضائيا صدرت خلال أكثر من عقد مضى عن محاكم أردنية، تتعلق كلها بقضايا جرم تعدد الأزواج خلافاً لأحكام المادة (280) من قانون العقوبات وجميعها موثقة، وقد تبين أنه تم إسقاط الحق الشخصي بمعظم هذه القضايا، باستثناء قضيتين تم الحكم بهما.
الباحث والمستشار بحقوق المرأة، المحامي عاكف المعايطة، أوضح أن تعدد الأزواج “جريمة يعاقب عليها القانون”، وبين وجود حالات من تعدد الأزواج “يستغل مقترفوها عدم تسجيل واقعة الزواج والطلاق في الأحوال المدنية والجوازات، في ظل غياب الربط الإلكتروني بين المحاكم الشرعية نفسها”.
ويشير المعايطة الى لجوء بعض السيدات ممن يردن ارتكاب جريمة التعدد لمحاكم شرعية مختلفة، للتمكن من الزواج أكثر من زوج في الوقت نفسه، بما أنها غير مضطرة لإصدار دفتر عائلة يوثق زواجها الثاني. ويوضح أن زواج المرأة الثاني “بطبيعة الحال حرام شرعا، ويجرمه القانون، وكل ما يترتب على العلاقة الزوجية من أبناء من هذا الزواج هم بحكم الشرع أبناء غير شرعيين”.
لا ربط إلكترونيا بين المحاكم الشرعية
مدير تكنولوجيا المعلومات في دائرة قاضي القضاة، خليل الحجايا، يعزو غياب الربط الإلكتروني الى عدم جاهزية بيانات المستفيدين بشكل كامل، فضلاً عن مواجهة عائق عدم توفر رقم وطني للوثائق المسجلة قبل العام 1990 من المستفيدين.
فيما يحمل مساعد مدير عام الأحوال المدنية والجوازات للشؤون الفنية، عقلة الطاهات، دائرة قاضي القضاة مسؤولية وجود هذا الخلل، ويعيده لعدم ربط المحاكم الشرعية إلكترونيا بعضها بعضا، الى جانب استمرارها بتسجيل عقود الزواج بشكل يدوي، الأمر الذي يحتاج لوقت طويل لتفريغها، لاسيما وأن المحاكم لا تستخدم الوسائل التكنولوجية الحديثة بتسجيل عقود الزواج والطلاق.
جرم تعدد الأزواج وقع ضحيته غالب (اسم مستعار)، الذي اطلع معد التحقيق على تفاصيل قضيته؛ حيث تقدم غالب بشكوى ضد زوجته لدى مديرية الشرطة بمنطقته، يتهمها فيها بجرم تعدد الأزواج، “بعد أن تأكدت من زواجها برجل آخر وهي ما تزال على ذمتي”، ليتم تحويل الملف للمدعي العام المختص، ضمن المنطقة، لإجراء المقتضى القانوني.
عدم وجود آلية واضحة للتوثيق والربط الإلكتروني بين “قاضي القضاة” و”الأحوال المدنية” كان سبباً في عدم تسجيل 40 % من حالات الزواج والطلاق، التي حصلت في العام الماضي، والبالغ 90 ألف واقعة زواج وطلاق، وفق ما توصل إليه معد التحقيق من قاعدة بيانات الدائرتين.
في حين يؤكد مدير المعهد القضائي الشرعي بدائرة قاضي القضاة، الدكتور منصور الطوالبة، لـ”الغد”، أنه يمكن لأي شخص اللجوء للمحاكم الشرعية لمعرفة إذا ما كان الطرف المقبل على الزواج لديه زواج أو طلاق سابق من خلال ممارسة قانون حق الحصول على المعلومة.
تجدر الإشارة هنا، الى أن تطبيقات قانون حق الحصول على المعلومات تعاني من تعقيدات كبيرة، بحسب ما وثقت منظمات مجتمع مدني ووسائل إعلام؛ حيث قد يستغرق الحصول على المعلومات الرسمية أياما أو أسابيع، وقد ترفض الجهة المعنية الإجابة.
وبين الطوالبة “أن جهاز النيابة العامة كفيل بالقيام بالإجراءات القانونية كافة لكشف عملية تعدد الأزواج؛ حيث يوجب القانون قبل إجراء العقد التحقق من خلو الطرفين من الموانع الشرعية والقانونية، والتأكد من الزيجات السابقة إن وجدت”، مشيرا الى أن المحاكم الشرعية الابتدائية كافة “مخولة بتسجيل واقعات الطلاق والزواج وفقا لآلية التسجيل”.
تسجيل اختياري للزواج والطلاق
بدوره، يؤكد المحامي المعايطة، عدم وجود ربط إلكتروني بين المحاكم الشرعية والأحوال المدنية، ما يترك تسجيل واقعة الزواج والطلاق في “الأحوال” أمرا اختياريا؛ حيث يمكن ذلك أحد الأزواج من التحايل على الآخر إن رغب، لافتا الى أن الأصل أن يكون التسجيل تلقائياً في “الأحوال المدنية”.
غياب الربط الإلكتروني بين الدوائر الرسمية ذات العلاقة داخل المملكة وخارجها، بما يتعلق بتوثيق عقود الطلاق، قد يوقع أيضا غير المحتالات أو مرتكبات جريمة تعدد الأزواج بالتقصد، وقد تذهب ضحيته أيضا بعض البريئات. سمر (اسم مستعار) تم ملاحقتها قضائيا بتهمة تعدد الأزواج.
جهل سمر -كما تقول في قضية مسجلة بحقها- بأهمية تثبيت طلاقها، وعدم متابعتها لذلك، كان سببا في مثولها أمام القضاء، بعد أن تزوجت برجل آخر، معتقدة أنها في حل من زواجها الأول بعد طلاقها رسميا، إلا أن استهتار طليقها وعدم اكتراثه بتوثيق واقعة الطلاق كانا سبب إدانتها.
وفوجئت سمر بتقدم طليقها “بطلاق غير مثبت” بشكوى ضدها، يتهمها فيها بالزواج من شخص آخر وهي ما تزال على ذمته، من دون إثبات واقعة الطلاق داخل الأردن.
عدم تثبيت واقعة طلاق سمر، التي تعيش في إحدى الدول الأجنبية في السفارة الأردنية، جعلها متهمة بجرم تعدد الأزواج، وفق أحكام المادة 280 من قانون العقوبات، ولعدم وجود شهود على واقعة الطلاق تم الحكم عليها بالحبس مدة ستة أشهر قرارا غيابياً قابلاً للاعتراض والاستئناف.
المشكلة تمتد للمغتربين أيضا
وبحسب الإحصائية نفسها التي حصلت عليها “الغد” من الدائرتين، بلغ عدد واقعات الطلاق غير المسجلة لدى دائرة الأحوال المدنية والجوازات خلال العام الماضي 10490 حالة طلاق.
وبحسب إحصائية دائرة قاضي القضاة، فقد بلغ عدد حالات الطلاق التراكمي بأنواعه خلال العام الماضي حوالي 21 ألف واقعة، في حين أن المسجل لدى سجلات دائرة الأحوال بلغ 11 ألف واقعة طلاق فقط.
قضية سمر تفتح الباب للتساؤل حول دور السفارات والقنصليات الأردنية في الخارج في تسجيل واقعات الزواج والطلاق للأردنيين المغتربين. في هذا السياق، يؤكد مساعد مدير دائرة الأحوال المدنية الطاهات، لـ”الغد”، أن على جميع الأردنيين المتواجدين في الخارج تسجيل واقعة الزواج خلال 90 يوما من تاريخ عقد الزواج، مؤكداً أن الدائرة تقوم بالرد على جميع الاستفسارات المتعلقة بالزواج والطلاق للسفارات الأردنية في الخارج في اليوم نفسه.
سرحان: ندق ناقوس الخطر
مدير جمعية العفاف الخيرية، مفيد سرحان، يرى أن غياب الربط الإلكتروني بين الدائرتين لا يؤثر على أصحاب العلاقة وأسرهم وحسب، وإنما على المجتمع، لأن آثاره السلبية قد تؤثر على حقوق الآخرين، وتؤدي الى مخالفات ومشكلات اجتماعية وإضاعة للحقوق (التجاوز على الأنساب).
ودقّ سرحان ناقوس الخطر، في ظل الأرقام الموجودة بالتحقيق، التي اطلع عليها، محملاً مسؤولية غياب الربط الى دائرة قاضي القضاة، التي تقوم بتوثيق عقود الزواج والطلاق، داعياً الى وجود “حل فعال” للمشكلة لتجنب الكثير من المشاكل قبل حدوثها.
حتى هذه اللحظة، لا يوجد ربط إلكتروني بين دائرة قاضي القضاة ودائرة الأحوال المدنية، يقول المسؤول بدائرة الأحوال المدنية الطاهات، ويبين أن من لم يقم بتثبيت واقعة زواجه من خلال إصدار دفتر عائلة داخل الدائرة سيظهر في السجلات أعزب.
ويتابع الطاهات “الأمر ذاته ينطبق على الزواج الثاني من دون إضافة الزوجة الثانية الى دفتر العائلة، فسيظهر الزوج في السجلات الرسمية على أنه متزوج من امرأة واحدة فقط”، لافتا إلى أن غرامة عدم تثبيت واقعة الزواج بعد 90 يوما من الواقعة التي تبلغ 10 دنانير فقط، وغيابها في تثبيت واقعة الطلاق، “لا تعد عقوبة رادعة لوقف هذه المشكلة”.
ويدعو الطاهات الى ضرورة ربط المحاكم الشرعية مع دائرة الأحوال المدنية، بحيث يتمكن الموظف من إدخال الرقم الوطني لكلا الطرفين في حالات الزواج، لمعرفة جميع المعلومات المتعلقة بالزوجين في حال كان الشخص متزوجا أكثر من امرأة، أو المرأة متزوجة بأكثر من رجل.
ويشير إلى تعذر إحصاء عدد واقعات الطلاق والزواج غير المسجلة لدى الأحوال المدنية بشكل دقيق، لعدم وجود ربط إلكتروني، مطالبا بحوسبة البيانات بين الدائرتين من خلال اتفاقية تفاهم توقع مع قبل وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات.
وفي السياق، يقول مدير تكنولوجيا المعلومات بدائرة قاضي القضاة، الحجايا “إن الربط الإلكتروني بين الدائرتين يحتاج لموافقة الطرفين وتمكين كلا الطرفين بوسيلة ربط آمنة”.
ولا تتوقف المشكلة عند الربط بين الدائرتين، بل ثمة مشكلة رئيسية أخرى، تتعلق بالربط الإلكتروني بين المحاكم الشرعية نفسها؛ حيث لا يتوفر الربط الإلكتروني سوى بين 19 محكمة شرعية من أصل 59 محكمة، وهذا جزء من عملية الربط التي تحقق غاية توفير البيانات. وهي عملية تحتاج الى “استكمال نشر وتركيب الأنظمة الفنية بالمحاكم كافة وتطبيقها والتدريب عليها، لضمان الحصول على معلومة دقيقة عن بيانات المتزوجين”.
بقاء مشكلة غياب الربط الالكتروني بين دائرتي الأحوال المدنية و”قاضي القضاة” وعدم المسارعة لحلها بتوفير هذا الربط، سيتركان باب الشرور القانونية والاجتماعية والنفسية مفتوحا، حتى لو كان ذلك في باب إخفاء رجل لزواجه بثانية عن الأولى، تماما كما حدث مع زوجة فراس (اسم مستعار أيضا)، التي استغل زوجها عدم وجود الربط الالكتروني للزواج من ثانية، من دون أن يضطر الى تبليغ زوجته الأولى، أو أن يضيف الثانية الى دفتر عائلته السابق، خصوصا وأنه اتفق مع زوجته الثانية على عدم الإنجاب!
الغد