لم نتنفس الصعداء ولم نلتقط انفاسنا بعد، جرّاء تضاؤل -و لا أقول زوال- خطر تنظيم داعش الارهابي المتموضع في حوض اليرموك، على بعد أقل من كيلومتر واحد من حدودنا الشمالية الغربية، حتى انكشف الفساد على صورة ومحتوى أكبر من كل توقعاتنا وأكبر من كل أدوات مكافحة الفساد الوطنية بعشرات ومئات المرات.
وخليقٌ بنا ان نسطّر بكل تقدير وتبجيل اصدق آيات الاعتزاز والثقة بقيادة ملكنا عبدالله الثاني الذي أدار الصراع بعبقرية ودهاء واقتدار، طيلة أسوأ وأخطر ثماني سنوات مرت على كل شعوب الإقليم ونحن منه، فسحقت مقدرات وثروات عدة دول فيه: سوريا والعراق وليبيا واليمن. وأودت بأرواح مئات الآلاف من مواطنيه.
لقد نجت بلادنا وسلمت بفعل الرشد المتبادل بين الشعب وقيادته الهاشمية الشرعية التي حددت اهدافا استراتيجية واقعية كفل تحقيقُها الامنَ والاستقرارَ اللذين نعمنا بهما ثماني سنوات عجاف، فأصبحا –الأمن والاستقرار- عنوانا من عناوين الأردن وميزة كبرى لبلادنا في كل ارجاء العالم.
تنفسنا قليلا من الصعداء بسبب حربنا على الإرهاب، وحرب الإرهاب علينا، التي كان لها كلفة باهظة اقتصادية واجتماعية وامنية وسياسية. مرت علينا بسلام بفضل صلابة اجهزتنا الأمنية و بأسها و مراسها وخبراتها المذهلة التي نعتز بها. لكن ذلك لا يعني ان ننام على حرير الطمأنينة بل هو يدعونا الى ان نعزز الشق الأمني المقتدر، بجبهة داخلية متماسكة.
يجب ان يُستتبع الاقتدار الأمني بانفتاح سياسي على كل مكونات المجتمع و قواه السياسية، فالمقتدر واثق مطمئن حريص على زيادة منسوب الطمأنينة وعلى توسيع القاعدة الاجتماعية المساندة للنظام الى ابعد الحدود.
لمواجهة خطر «داعش» كبيرا كان ام ضئيلا، و كل الاخطار التي تحدق بأي مجتمع، هنالك منهج محدد واضح هو تمتين الجبهة الداخلية وتصليبها وتوحيدها واشراك اكبر عدد ممكن من قوى المجتمع الحية الموثوقة.
نرفع راية الوحدة الوطنية والعدالة الاجتماعية و الحاكمية الرشيدة والنزاهة والشفافية في مواجهة قوى الفساد والظلام والتخلف والإجرام.
لقد تجلّى لنا كلنا ان في الداخل «داعش» وفي الخارج «داعش». وداعش الخارج تتكامل مع داعش الداخل وتتغذى على فساده وآثامه ومقارفاته ونحته في قوة البلد وامتصاص خيراته لاضعافه وتطويعه وتركيعه.
أبو بكر البغدادي خطر محتمل على بلادنا لم يتحقق، أما الفاسدون الهاربون والمستترون، فهم خطر اصابنا في مقتل. وجرّ على شعبنا الشقاء و البلاء المتمثل في نهب 10 مليارات دينار خلال السنوات العشر الماضية، بواقع مليار دينار سنويا، من مقدرات بلد فقير تختل لديه معادلة الموارد والسكان، بفعل وتأثير الهجرات المتعاقبة التي كان اللجوء السوري آخرها، يخصص إمكانات وطاقات ضخمة لمكافحة الإرهاب وحماية حدودنا ولمنع تكون الإرهاب تنظيميا.
الفساد والإرهاب وجهان لنفس قطعة العملة المعدنية. وهما مثل أسنان المنشار المجلوخ، يأكلان في الذهاب ويأكلان في الإياب.
محمد داودية