في الأسبوع الماضي، أضاف جلالة الملك جملة جديدة الى الأدبيات التي اعتاد الناس تداولها في الحديث عن الفساد. فإلى جانب “محاربة الفساد” و”مكافحة الفساد” و”القضاء على الفساد”، استخدم جلالته مفردة “كسر ظهر الفساد”، ودعا الحكومة الى العمل على كسر ظهر الفساد، الأمر الذي أثار بعض الأسئلة حول المقصود بهذه العبارة وكيف يمكن ترجمة معناها الى مضامين وإجراءات.
في الثقافة الشعبية الأردنية يوجد اعتقاد بأن الأفراد يخالفون القواعد والمعايير عندما يتوفر لهم الدعم والتأييد من قبل من يحيطون بهم أو يرتبطون معهم بمصالح أو يستفيدون من هذه المخالفات. الكثير ممن يحققون مكاسب ويتنمرون على الآخرين وعلى المال العام يقومون بذلك بفضل الدعم الذي يتلقونه. الداعمون للفساد والميسرون له والذين يوفرون التشجيع والتغطية والحماية لمن يخرج على القانون هم السند والعزوة للفاسدين.
بعض من يوفر التغطية والدعم للفاسد يقوم بذلك بدوافع القرابة والعصبية، والبعض يؤدي هذه المهمة أملا في الإفادة والانتفاع. والبعض احترف العيش والكسب والثراء من خلال الدوران في فلك الفاسدين وخدمتهم والتصدي للدفاع عن جرائمهم وتلميع صورهم في المجتمع وإظهارهم على هيئة نساك وعابدين أو محسنين وأهل خير.
الناس في مجتمعنا يعرفون بطرق متعددة الفاسدين وتاريخهم وأساليبهم ودوائر نشاطهم. بعيدا عن اغتيال الشخصية وكل التلفيقات والترهيب يملك المجتمع صورا ووثائق عن اللقاءات والمقبوضات والصفقات والقصص الغطائية التي يستخدمها رعاة الفساد ويتواطأ البعض على قبولها وترويجها. في أي جلسة أو زيارة لقرية أو مشاركة في مناسبة اجتماعية يمكن أن تصادف العشرات من الأشخاص ممن هم على استعداد أن يسردوا لك أسماء وعناوين وتاريخ الصفقات التي أبرمها الكثير من الفاسدين ويمرون على سيرهم واحدا واحدا.
الواسطة والمحسوبية والتواطؤ على قبول التجاوزات أو غض البصر عنها سلوك شائع ومن معاول الهدم التي أصابت مجتمعنا وأضعفت ثقة الجميع بالقرارات التي تتخذ من قبل المؤسسات والقائمين عليها. في حالات كثيرة يواجه كل من يحاول مجابهة التوسط والتدخل الكثير من التندر والنقد، ويصف البعض مثل هذا الموقف على أنه ضعف وجبن.
قضية التبغ التي فجرها النواب على منصة المجلس ليست القضية الوحيدة التي تشير الى ارتباط العشرات من الشخصيات العامة والمتنفذين بمستويات ودرجات مختلفة بالفساد. هناك قضايا كثيرة تتكرر فيها بعض الأسماء ولا أحد يكترث كثيرا لما يقال.
الجهود الحكومية التي اتخذت باتجاه كشف خيوط القضية وضبط أدلتها وإحالتها الى القضاء أدهشت الشارع الأردني وأسست لجدل من نوع جديد. مع عودة جلالة الملك الى أرض الوطن واللقاء الذي انتظره الشارع بفارغ الصبر والحديث المتلفز لمجلس الوزراء حول دعم جلالته لجهود الحكومة في مجابهة التحديات والتواصل مع المواطنين بشكل مباشر وتقديمه لمصطلح جديد في الحرب على الفساد “علينا كسر ظهر الفساد” تأخذ المؤسسات جرعة جديدة وقوية تعزز ما تقوم به من بسط سيادة القانون وإضعاف التيار الداعم للفساد في مؤسساتنا ومجتمعنا وثقافتنا.
كسر ظهر الفساد يعني تنقية مؤسساتنا من ضعاف النفوس والانتهازيين وأصحاب المصالح الضيقة والنهوض بقيم الوظيفة العامة. المواطن الأردني والشارع بحاجة الى إجراءات تطمينية يتم من خلالها التعامل بحزم ونزاهة مع بعض من تدور حولهم الشبهات. لا أظن أن بمقدور أحدنا أن يفسر طبيعة العلاقة بين العمل كنائب أو وزير وملكية مقهى في أحياء عمان الغربية ولا أحد يعرف بدقة ما تقدمه هذه المقاهي من خدمات ترتبط برسالة ورؤية وإيديولوجية النائب أو الوزير.
الزيارة التي قام بها جلالة الملك لمجلس الوزراء قدمت للمؤسسات والشارع والأجهزة كافة والإعلام رسالة واضحة بأن لا حماية لفاسد ووضعت الكرة في مرمى الحكومة وأجهزة الرقابة والقضاء.
د. صبري الربيحات