كتّاب

جذور الهزيمة والفساد في عالمنا العربي (1-2)

جندت «الشتازي» مخابرات المانيا الشرقية (1990-1949) جاسوسا من المانيا الغربية كانت مهمته فقط أن يوصي بتعيين الأقل كفاءة، لشغل أي وظيفة تشغر أو تستحدث. ومن أجل أن يظل الجاسوس آمنا، طلبت «الشتازي» منه أن لا يكتب أي تقرير في أي موضوع، حتى لو أنه اكتشف على وجه اليقين مؤامرة لاغتيال اولبريشت زعيم المانيا الشرقية!.
في العالم العربي، كان وضع الرجل غير المناسب المحدود الضيق الأفق والأقل كفاءة في المكان المهم والمتقدم، من أبرز أسباب الهزائم والانتكاسات الإستراتيجية العربية.
لقد اصبح الولاء والطاعة والرشوة وهز الذنب، اهم من الكفاءة والقدرة والخبرة.
وأصبحت العمالة للأجنبي أهم من الوطنية. لا بل أصبحت صلة الدم أهم من الوطن. والصلة المذهبية أقوى من الصلة الدينية لدى اختيار الاشخاص لإشغال المناصب الأولى.
فقد تزعم الأمة وقادها وخاض بها وقرر لها، اشخاص جاءت بهم الانقلابات والدبابات وأجهزة الاستعمار السرية.
فعلى سبيل المثال الساحق الماحق، تم تقفيز وتنطيط وترفيع الضابط عبد الحكيم عامر، ثلاث رتب عسكرية دفعة واحدة، ليتسلم قيادة الجيش المصري، متخطيا كل الكفاءات والخبرات والعبقريات العسكرية المصرية. وتولى اعلى المواقع وكل المسؤوليات الأولى جميع الضباط الأحرار الذين قاموا بثورة 23 يوليو/تموز 1952. بسبب ولائهم المطلق للتنظيم والزعيم جمال عبد الناصر، الذي الف عنه انور السادات كتابا (بخط هيكل) جعل عنوانه: «ياولدي هذا عمك جمال» اي والله.
تم تجريف الجيش المصري من قياداته المحترفة وتم تجريف الإعلام وتنطيط الطبالين والرقاصين على دكته. وتمت ابادة التعددية الحزبية والحياة السياسية لصالح صيغة صورية هي «تحالف العمال والفلاحين».
وهكذا كانت الحال في العراق واليمن وليبيا والسودان والجزائر وموريتانيا وخاصة سوريا التي فتكت فيها الانقلابات ذات الشعارات الخلابة فكان طبيعيا ان يجرف كل انقلاب، الضباط والقادة السياسيين ورؤساء الجامعات والقضاة والاعلاميين والكتاب وينصب مكانهم الموالين. وقد بلغ الأمر مبلغا مذهلا عندما تمكن الجاسوس الإسرائيلى كوهين من ان يصبح عضوا في نادي الطبقة السورية السياسية الحاكمة.
كانت النتيجة هزيمة حزيران المخزية سنة 1967 (في نصف ساعة وليس في 6 ايام). وكانت النتيجة مدمرة. فقد نحر المشير عبدالحكيم عامر مصر. ونحر الأمة العربية. ونحر الجيش المصري العظيم. ونحروه او انتحر !!
عندنا تم العكس.
تم تنفيذ برنامج الحسين- وصفي لاسترداد المعارضة واحتوائها. فأحرقت ملفات المعارضين وقيودهم وصدر عفو عام سنة 1962 وفتح المجال لعودة المعارضين السياسيين من الخارج وتم ادماجهم في الحياة السياسية فعين ابراهيم الحباشنة وزيرا للداخلية ونذير رشيد مديرا للمخابرات ثم وزيرا للداخلية وصادق الشرع وزيرا للتموين ثم للخارجية وعلي ابو نوار سفيرا في باريس ومعن أبو نوار وزيرا للشباب والإعلام والثقافة …
وجرى خلال الحقبة الماضية التقاط نكرات من العتمة، وتصنيعهم وجعلهم نخبة قائدة وتصنيمهم وتركيبهم على ظهر شعبنا، فأصبحوا يرسمون ويحكمون. وتمكنوا من سرقة البلاد ونهبها ووجهوا أسوأ الطعنات وأعمقها الى النظام والكيان والشعب، هي الطعنات النجلاء في الظهر.

محمد داودية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *