يقتحم الاسرائيليون، المسجد الاقصى، اكثر من مرة، خلال الايام القليلة الماضية، وهذه الاقتحامات المتواصلة، تؤشر على السياسة الاسرائيلية من جهة، وعلى تهديدات اكبر بشأن الحرم القدسي.
هذه الاقتحامات لم تعد تُثر اهتمام الكثيرين، فأين كل اولئك الذين كانوا يقفون بقوة ضد كل اقتحام، او مساس بالحرم القدسي الشريف، سواء من الجانب العربي والاسلامي الرسمي، او حتى القوى السياسية، والحزبية، والبرلمانية، والاعلام، اضافة الى ما يمثله الفعل الشعبي، من رد فعل؟ خصوصا، داخل العالمين العربي والاسلامي، وفي المهاجر، في اوروبا واميركا، حيث يمكن التأثير بشكل كبير، ضد اسرائيل، باللجوء الى وسائل مقبولة في تلك الدول.
ثم اين المسلمون من ارتباط عقيدتهم بالمسجد الاقصى، باعتباره اولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين؟ وكيف يستقيم الايمان هنا، بتخلي اغلبنا عن معايير محددة، بذريعة عدم القدرة، والضعف، او عدم الجدوى من اي رد فعل؟ بل واعتبار مدينة القدس، مجرد مدينة فلسطينية، اهلها اولى بها، من غيرهم، فإذا سألت اين العرب والمسلمون؟ قيل لك، اين الفلسطينيون. واذا سألت الفلسطينيين على ما فيهم من ارهاق وتعب، قالوا لك اين العرب والمسلمون؟!.
من ناحية سياسية، فان الاقتحامات ليست جديدة، فهي متواصلة على مدى عشرات السنين، لكنها اليوم تكتسب دلالات مختلفة، لكونها تأتي بعد اعتراف واشنطن، بالقدس عاصمة لاسرائيل، اضافة الى قانون يهودية الدولة، ورفض الاحتلال، منح اي جزء من القدس للفلسطينيين لاقامة عاصمتهم، ومحاولات تغيير الهوية الدينية للموقع، عبر بدء تقاسمه زمنيا، من اجل مخطط تقاسمه جغرافيا، او السيطرة عليه كليا، في هذا التوقيت بالذات.
تطويع الانسان العربي والمسلم، من اجل قبول الاقتحامات، لكونها باتت يومية، وبحيث تصير القصة، التنافس حول جمع المعلومات حول ما يجري فقط، وحمد الله، عز وجل، على ان مدة الاقتحام كانت قصيرة، هذه المرة، او عدد المقتحمين كانوا اكثر او اقل، او ان الاقتحام كان عاديا، ام رافقته صلوات يهودية، يعبر عن كارثة اخرى، يتم استدراجنا اليها، اي سقوف الاقتحامات والمقارنات في كل مرة، بين اقتحام وآخر، لايصالنا الى حالة الخنوع الكامل والسكوت، باعتبار ان ليس في اليد حيلة، ولا قدرة لردع هؤلاء، لاعتبارات كثيرة.
لكن الكارثة الممتدة، تصل الى كل شيء، اذ نادرا ما تسمع احدا يتحدث عن الاقصى، فأين خطباء المساجد، واين كل شخص مؤثر، ولماذا يتم التعامي عن هذا الملف، وتسكينه، حتى على المستوى النفسي والذهني، بحيث يغيب كليا، امام كل هذه الازمات والخراب الذي يتمدد في العالمين العربي والاسلامي، في حقبة عز نظيرها، برغم كل المحاولات، للقول ان الامة مرت عليها حقب اسوأ؟.
المسجد الاقصى، في عنق الكل، حتى لا يتهرب احد من مسؤوليته، وهو ليس مجرد امانة في يد الفلسطينيين، اذ ان الحرم القدسي، امانة في اعناق اكثر من مليار ونصف المليار عربي ومسلم، لكنهم اليوم، إما لا يأبهون، او تعرضوا لغزوات الفقر والافقار والصراع والتغييب، بحيث لم يعد احد قادرا على استرداد الاولويات مثلما يفترض ان تكون.
يحبون النبي صلى الله عليه وسلم، لكنهم يتفرجون على مدينته التي اسرى اليها، وعرج منها، ونحن للاسف الشديد، لا في وارد الدفاع عنها من باب الدين، ولا من باب الوطنية، ولا من باب السياسة وما تعنيه على مستوى المدينة وقيمتها لفلسطين والمنطقة ايضا…فمن نحن يا ترى؟!.
ماهر ابو طير