كتّاب

قرار صائب

قام مجلس التعليم العالي بردّ الترشيحات التي وصل إليها مجلس أمناء الجامعة الأردنية، بدعوى عدم اتساق الإجراءات العملية مع تلك النظرية التي وضعها مجلس الأمناء نفسه.

الآن ذلك يعني العودة إلى مجلس الأمناء ليقوم بإعادة فرز واختيار رئيس الجامعة الأردنية من جديد، لكن هل الآلية المعتمدة حالياً جيّدة وتفي بالغرض؛ أي أن يتم فتح باب المنافسة أمام الجميع وأن يتم اختيار رئيس الجامعة بناءً على السيرة الذاتية، التي تتضمن سنوات الخبرة العملية والمرتبة الأكاديمية، وغيرها من معطيات قد تكون على درجة عالية من التميّز على الورق، لكنّها لا تعني بالضرورة أن يكون الشخص عملياً بالفعل مناسباً لموقع قيادي على مستوى عالٍ وكبير من الأهمية.

موقع رئيس الجامعة اليوم في الأردن يتطلب صفات قد تتجاوز الجوانب الأكاديمية البحتة، فالأهم هي الجوانب القيادية، وكذلك الإدارية، لأنّنا نتحدث عن تركة كبيرة من التداخلات والأخطاء والمسارات غير المنضبطة، تستدعي “رجل إنقاذ”، وهو ما ينطبق على الجامعات المختلفة، لأنّ أغلب جامعاتنا تعاني اليوم من مشكلات مالية وإدارية وتداخلات من الجهات المختلفة.

ما الحل إذاً؟ الأمر سيُردّ إلى مجلس أمناء الجامعة الأردنية، وهو الذي سيعيد النظر في الترشيحات والخطوات، ولا نعرف فيما إذا كان سيتمسّك بقراره وبالأسماء الموجودة، أم أنّه سيراجع الأسماء والخطوات، لكن الأفضل على الإطلاق هو إعادة النظر في الآلية نفسها، لأنّها ضمن المعطيات الحالية غير مجدية ولا واقعية.

الآلية البديلة التي أظن أنّها أنسب وأفضل أن يقوم مجلس أمناء الجامعة الأردنية بتشكيل لجنة لترشيح الأسماء التي تعتقد اللجنة أنّها مناسبة ومفيدة لشغل هذا الموقع، وتقوم بمقابلتهم، على أن يكون العدد محدوداً وفيه الصفات القيادية والإدارية المطلوبة، وأن يتم مقابلتهم والمفاضلة بينهم، وإرسال النتائج إلى مجلس التعليم العالي.

أقترح أن يكون على رأس اللجنة د. عدنان البخيت، نظراً لخبرته الممتدة والناجحة في إدارة الجامعات، وأن يكون معه قامات أكاديمية وعلمية، لا يتجاوز عددهم خمسة أشخاص مثلاً، ويقوموا هم بعملية التنخيل والاتصال بالمرشّحين والمقابلة والاختيار، والتنسيب لمجلس الأمناء، فهذه الطريقة حتى وإن أخذت وقتاً أطول، فهي أكثر مصداقية وأماناً من معايير قد تكون جيدة نظرياً، لكنّها واقعياً غير ذلك.

يدرك مجلس أمناء الجامعة الأردنية نفسه أنّ هنالك أسماء مهمة ووازنة ويمكن أن تكون مرشّحة بحق للموقع، لكنّها تستنكف عن تقديم طلبات الترشح لهذا الموقع، بالآلية الحالية، لعدم قناعتهم بجدواها وفاعليتها، ويفتح الباب لأي شخص تنطبق عليه الشروط الشكلية بأن يقدم طلبه، ما أدى إلى وجود عشرات الطلبات والمرشّحين، وهو أمر غير منطقي عندما نفكّر برئيس الجامعة الأمّ، وهو موقع لا يقل أهمية عن موقع وزير أو أي مسؤول كبير في الدولة، بل أزعم أنّه أكثر أهمية وخطورة!

ربما هذا القرار الصائب، الذي نشكر عليه الوزير ومجلس التعليم العالي، يعيدني شخصياً للرد الغاضب للوزير على مقالة سابقة لي طالبت فيها رئيس الوزراء بأن يعطي موضوع اختيار رئيس الجامعة الأردنية حقّه من الاهتمام، وشكّكت فيه بالآلية الحالية، لأنّ هذا ليس موقفي، بل رأي أغلب الخبراء المتميزين الذين تواصلتُ معهم.

المشكلة في الآلية، يا معالي الوزير، والأمر نفسه ينطبق على اختيار مجالس الأمناء؛ إذ لم يكن المقال يهدف إلى نقد الوزير، بل الوقوف إلى جانبه في وجه التدخلات التي تحدث عادة والضغوط المختلفة، سواء كانت اجتماعية وجهوية أو مؤسساتية.

د. محمد ابو رمان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *