على غير ما اعتدنا عليه في السنوات السابقة، كان تموز وآب لهذا العام الألطف حرارة وربما الأكثر رطوبة منذ عقود. درجات الحرارة حول المعدلات السنوية ولا موجات حارة كالتي كانت تجتاح بلادنا في الأعوام السابقة. مقابل هذا الطقس المعتدل كان مزاجنا صيفيا حارا، فقد ظل الشارع منشغلا بالكثير من القصص والروايات وارتفعت وتيرة النقد وتزايدت أعداد المحللين.
الأداء الحكومي على قمة أولويات اهتمامات الناس. البعض يرى أن الحكومة تحاول العمل على مواجهة التحديات، والبعض الآخر فقد الثقة بها كما في غيرها من الحكومات السابقة. الأردنيون يترقبون نتائج الحوارات التي أدارتها الحكومة حول قانون ضريبة الدخل وفيما إذا تغير المشروع لتلبية مطالب الشارع. لا أحد يعرف الترجمة الحكومية لتوجيهات الملك حول دراسة العبء الضريبي والشكوك تتنامى بعد أن وافقت الحكومة على التسعيرة الجديدة التي أصدرتها نقابة الأطباء.
اليوم، ووسط التخمينات المتعددة حول ما يجري في الإقليم والضغوطات التي يواجهها الأردن، ينقسم الشارع الى تيارين أو أكثر؛ فعلى الجانب الأول هناك من يدعو الى مساندة الحكومة وإعطاء طاقمها الفرصة الكافية لتطبيق برامجها وتطلعاتها، أما على الجانب الثاني فهناك من لا يرى فرقا بين الحكومة الحالية وسابقاتها في الرؤية أو النهج وأن كل ما يمكن ملاحظته لا يعدو اختلافا بسيطا في تكتيك تنفيذ سياسات متشابهة تهدف الى ضبط مالية الدولة من خلال نظام ومعادلات محاسبية يجري الاتفاق عليها مع المؤسسات الدائنة.
الأيام والأسابيع المقبلة حاسمة جدا؛ فالحكومة الجديدة استكملت مشاوراتها حول مشروع قانون الضريبة الذي كان سببا في رحيل سابقتها والدورة البرلمانية الاستثنائية قد تبدأ في أي وقت بعد عيد الأضحى لمناقشة القانون. مناقشة مشروع القانون تأتي هذه المرة على خلفية رفع الأجور التي يتقاضاها الأطباء وموافقة الحكومة على هذا القرار. المواطنون جميعا ما يزالون يتذكرون أن النقابات هي التي قادت الاعتصامات والاحتجاجات الشعبية ضد القانون وأن نقيب الأطباء على رأس مجلس النقباء الذي تفاوض مع الحكومة.
القرار الذي اتخذته النقابة وأقرته الحكومة سيثير عشرات الشكوك لدى المواطن حول نية تحسين الخدمات ورفع مستوى الحياة، فالكل يعلم أن رفع الأجور التي يتقاضاها الأطباء الى أكثر من 50 % سيؤثر على دخل المواطن وقدرته على شراء الخدمة أكثر مما يؤثر قانون ضريبة الدخل.
ارتفاع الأسعار وشبح زيادة الضرائب وغلاء سعر الأضاحي وانسداد الفرص لأعمال ومشاريع جديدة تتكالب اليوم على المواطن ودخله وإمكاناته المتواضعة فتعيده الى زاوية يشعر أنه أمام أمرين؛ يتمثل الأول في القبول بالأمر الواقع وتحمل الأعباء التي قد تتولد من دومينو رفع الضرائب وتداعياتها، في حين يرتبط الثاني بالعودة الى الشارع والاحتجاج على القانون مع علمه بأن الفرص للتغيير والتحول ما تزال نادرة أو معدومة.
في كل الأحوال، تبقى قناعة الأردني وحبه لبلاده وتعوده على الأزمات والأوضاع الصعبة حرزا يساعد الجميع على تجاوز هذه المرحلة الصعبة مكتفيا وشاكرا المولى على جمال الطقس ونعمة الأمن وسلامة البدن والروح.
د. صبري الربيحات