كتّاب

المنعطف!

تأجلت جلسة مجلس الوزراء، التي كان من المفترض أن تُعقد أول من أمس، ويتم من خلالها إقرار مسودة القانون المعدل لضريبة الدخل، لإرسالها إلى ديوان التشريع، والسبب لم يكن تراجع الحكومة أو ترددها في الإقدام على هذه الخطوة، كما يردد البعض، بل في عدم الوصول إلى اتفاق مع صندوق النقد الدولي على هذه التعديلات.

ما يزال التفاوض جارياً، ومن المتوقع أن تكون الصورة أكثر وضوحاً يوم الأربعاء المقبل، لكن جوهر الخلاف يتمثّل في أنّ صندوق النقد الدولي يريد مشروعاً شبيهاً بذلك الذي قدّمته حكومة د. هاني الملقي، وكان سبباً جوهرياً في احتجاجات الرابع غير المسبوقة، بينما المشروع، الذي أعدّته الحكومة اليوم فيه اختلافات جوهرية وفي مقدمتها الإبقاء على الإعفاءات المرتبطة بالطبقة الوسطى، التي تخفف أعباءها فيما يتعلق بالتعليم والسكن، هذا أولاً.

ثانياً، تضع حكومة الرزاز مشروع قانون ضريبة الدخل الحالي وتعديلاته ضمن حزمة متكاملة من الإصلاحات المالية والاقتصادية، ومن ذلك إعادة إعفاءات على ضريبة المبيعات لمواد أساسية، كما تسرِّب بعض الأخبار، لتأكيد توجّه الحكومة الحالي في تجنيب الطبقتين الوسطى والفقيرة أضرارا حقيقية مترتبة على التعديلات المنشودة.

مصادر في حكومة الرزاز تؤكّد أنّ الحكومة تحتاج بالفعل لتصديق صندوق النقد الدولي على قراراتها وخياراتها، وتدرك أنّ ذلك أمر ضرروي، لا يمكن الاستغناء عنه. لكن في الوقت نفسه تحتفظ بحقّها -أي الحكومة- في الاجتهاد في اجتراح السياسات المالية والضريبية المناسبة، بما أنّ المخرجات ستكون مشابهة لتلك التي يريدها الصندوق؛ أي الإصلاح المالي.

منظور الحكومة الرئيس في المسألة يتجاوز فكرة الحاجة إلى “تأييد” الصندوق، إلى أبعد من ذلك بكثير، بما يدخل في صميم مفهوم إعادة توزيع الدخل، وتحقيق قدر أكبر من “التكافل الاجتماعي”، عبر مكافحة التهرب الضريبي، والضريبة التصاعدية، والانتقال التدريجي من الاعتماد بصورة هائلة على ضريبة المبيعات، لتخفيف العبء عن كاهل الطبقة العريضة من المواطنين إلى الاعتماد أكثر على ضريبة الدخل التي تتوافر على مبدأ التصاعدية، وأكثر عدالة في توزيع الدخل، وهي خطة طموحة أعلن عنها بوضوح رئيس الوزراء ونائبه، د. رجائي المعشّر، الذي يقود مشروع الإصلاح المالي حالياً في الحكومة.

صحيح أنّ هنالك هواجس لدى الحكومة، وأغلب المسؤولين، من “منعطف” الضريبة المقبل، لكنّهم يراهنون على أنّ وجود مشروع متكامل وحزمة مبنية على القيم الوطنية المرتبطة بقدر أكبر من العدالة الاجتماعية، وبمكافحة التهرب الضريبي، وبالإصرار على إعفاءات الطبقة الوسطى في التعليم والصحة والسكن، سيحظى بقبول من الفئة العريضة من الشارع، التي تحرّكت هي نفسها تحت مطرقة الظروف الاقتصادية الصعبة والشعور باختلال كبير في توزيع الدخل.

احتجاجات الرابع كانت تراكمية، بمعنى أنّها ذات أبعاد مالية واقتصادية وسياسية ومجتمعية، ودخلت فيها قوى متنوعة ومتعددة، بالإضافة إلى “الشباب المعولم”، الذي مثّل العمود الفقري لتلك الأحداث، والطبقة الوسطى التي تحرّكت بعد تململ كبير.

من المهم أن تكون قنوات الحوار والخطاب حيوية وفعّالة بين الحكومة والشارع، وأن تكون “المصداقية” والشفافية قيمتين رئيستين في إدارة العلاقة، وأن يرى الناس أفقاً في نهاية النفق، ويشعروا بوجود “نظرية” حقيقية لإخراجنا من الأزمات المالية الحالية، والأهم حماية البلد من “أجندة” باتت أهدافها واضحة، تسعى لإضعاف موقف الأردن في ملفات كبرى، بخاصة عندما نتحدث عن القضية الفلسطينية، وأزمة الأونروا الحالية، وإصرار الإدارة الأميركية على تكسير السلطة الفلسطينية وإنهاء ملفات الحل النهائي.

د. محمد ابو رمان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *