لا أعرف سببا لحجم الهجوم الشرس ضد حكومة الرزاز من قبل نخب سياسية واتجاهات معينة، فما تزال الحكومة تعمل على إعداد الخطط والمشروعات والأفكار التي ستعمل على إنجازها في المرحلة القادمة، وبالكاد مضى عليها 3 أشهر، فهل كنّا ننتظر، مثلاً، أن تُحلّ مشكلة البطالة والفقر، وتتفكك الأزمة المالية والاقتصادية، ويتحسّن دخل المواطنين خلال الفترة الماضية من عمر الحكومة؟!
الهجوم غير مبرر، بصورة عامة، فمن الممكن أن ننتقد الرئيس على حادثة معينة، أو وزير من الوزراء، أو سياسات أو قرار من القرارات، كل ذلك منطقي ومشروع، لكن أن يكون عنوان الحملة هو فشل الحكومة وعدم قدرتها على حل المشكلات وتنفيذ الوعود، فهذا نقد إمّا عدمي وغير منطقي، أو مرتبط بمواقف مسبقة، سواء لأجندات شخصية أو سياسية.
من الواضح تماما أنّ الحكومة واجهت منذ البداية هذه المواقف السلبية المتشائمة والمنحازة ضدها، ووجدت نفسها أمام خصوم، قبل انطلاق صافرة البداية، في مقدمتهم التيار المحافظ والنخب السياسية التقليدية، التي توجّست من الرئيس وأطروحاته الإصلاحية السابقة، وتوجهه ذات الطابع الليبرالي، وتأكيده على مفاهيم مثل نقد الاقتصاد الرعوي، والدعوة إلى إصلاح التعليم والانتقال إلى دولة الإنتاج والمواطنة، وحديثه عن العقد الاجتماعي الجديد، فوجدت في ذلك كلّه توجهاً مناقضاً لقناعاتها، بل وتجاوز البعض ذلك إلى اعتبار بعض أطروحات هذه الحكومة خطرا على “الهوية الوطنية” وجزءاً من مؤامرة كونية على الأردن.
المفارقة أنّ القوى اليسارية والتقدمية، وبعضا من النخب الإصلاحية والليبرالية، هي الأخرى أخذت موقفا معارضا للحكومة، واعتبرت أنّها لن تؤدي إلى تغيير النهج السياسي والاقتصادي! هكذا جرى الحكم مسبقاً على الرئيس وحكومته، وكأنّ النهج السياسي والاقتصادي مسألة قرار بجرّة قلم يمكن أن يحدث الفرق الكبير، أو أن سقف الإصلاح المطروح من الحكومة دون المستوى الذي تطالب به هذه النخب السياسية، بعضها قوى تقليدية وأخرى تمثّل شريحة من الشباب المتحمّس، الذي انخرط مؤخراً في النقاشات العامة، بخاصة مع أحداث الدوار الرابع.
إذا، الحكومة، في نهاية اليوم، تجد نفسها أمام تيارات واتجاهات متعارضة ومتصارعة، من أقصى اليمين إلى أقصى اليسار، تأخذ مواقف مسبقة، وتتربّص بها، بينما تعاني الحكومة من عدم صلابة القاعدة الاجتماعية ووضوح القوى السياسية التي يمكن أن تقف وراءها وتدافع عنها في الشارع، بالرغم من أنّها – أي الحكومة، محسوبة على الخطّ الإصلاحي، وتعلن عن نوايا جديّة في الإصلاحات العامة، بداية من الخدمات والضرائب وصولاً إلى القوانين الناظمة للعمل السياسي.
الطبقة الوسطى التي شكّلت القوى الحقيقية وراء احتجاجات الرابع، التي شكّلت نقطة تحول مهمة في الأحداث والتصورات السياسية للمرحلة التالية، والشباب المعولم، والتيار الإصلاحي هذه هي القوى التي من المفترض أن تمثّل رافعة للحكومة، إلى حين تبيّن فيما كان الرئيس وفريقه قادرين فعلاً على تحقيق تغيير وإنجازات حقيقية أم لا، فما يزال الوقت مبكّراً قليلاً على الوصول إلى أحكام قطعية ونتائج حاسمة، كما نقرأ في تعليقات ومواقف التيارات السابقة، على أقصى اليمين وأقصى اليسار!
تأييد الطبقة الوسطى للرئيس يُلمس في استطلاعات الرأي، وفي المزاج العام، لكنه ليس تأييداً صلباً وظاهراً، فما يزال حالة سائلة وغير مؤطرّة، ما يجعل من الأصوات المشكّكة أكثر حضورا في الأوساط السياسية، ويغلّب حالة الشك والقلق على التفاؤل والأمل.
د. محمد ابو رمان