تتجاوز التحديات الحالية التي تواجهها الدولة، وليس الحكومة الحالية فقط، جميع التحديات التي مررنا بها خلال الأعوام الماضية، لكنّها تتشابه مع تحديات مصيرية ومنعطفات خطيرة مررنا بها، منذ عقد الخمسينيات حتى السبعينيات، عندما كانت هنالك حالة شكّ وقلق شديدة، أقرب إلى البارانويا تجاه المستقبل.
ينظر بعض السياسيين إلى التحديات من زاوية الأزمة المالية الراهنة، والمفاوضات الشاقّة المعقّدة مع صندوق النقد الدولي في ظل احتقان اجتماعي وسياسي، وهو منعطف خطير ومهم، له أبعاده ومستويات اجتماعية وسياسية وثقافية.
آخرون ينظرون إلى زاوية العلاقة مع الإدارة الأميركية الجديدة، بخاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، والنوايا الواضحة لدى الفريق اليميني هناك (الذي تجاوز في تشدده الإيديولوجي اليمين الإسرائيلي) بإنهاء مواضيع الحلّ النهائي، عبر قرارات منفردة، من الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، مروراً بالأونروا وإعادة تعريف مفهوم اللاجئ، وصولاً إلى مخططات إنهاء أي أمل للدولة الفلسطينية واستبدالها بـ”دويلة غزة”، وربما الوصف الدقيق لما يحدث جاء على لسان الكاتب الإسرائيلي الموضوعي والمنصف، جدعون ليفي، في صحيفة هآرتس، بأنّه –أي السلوك الأميركي- أشبه بإعلان حرب على الفلسطينيين.
ربما ننظر إلى التحديات الحالية من زاوية الأزمة الاقتصادية؛ ارتفاع غير مسبوق بمعدلات البطالة، وجيل من الشباب ينتظر، يبحث عن فرصه في الحياة، في ظل ظروف معقدة وصعبة، لا تشجّع على نمو الاستثمار.
آخرون ينظرون إلى الأزمة من زاوية المعادلة الوطنية؛ الضغوط على الطبقة الوسطى، تراجع الهوية الوطنية الجامعة لصالح الهويات الأخرى، تنامي الفجوة الطبقية والشعور بغياب العدالة الاجتماعية، وتراجع ملحوظ وكبير في منسوب الثقة بين مؤسسات الدولة والشارع.
ذلك كلّه صحيح، لكن من الضروري أن ننظر اليوم إلى ما يحدث ليس ضمن مستوى أو تحدٍّ واحد من التحديات السابقة، بل نعبر من خلال التفاصيل إلى رسم الصورة الكلية، لنصل إلى أنّ الهواجس والقلق الشعبي تجاه المستقبل مشروع ومنطقي، وأنّنا أمام مرحلة مفصلية في تاريخ الدولة نفسها، لحجم وكثافة التحديات الكبيرة والخطيرة.
مفتاح مواجهة التحديات جميعاً، وهكذا كان دوماً في كل مرحلة مفصلية وحاسمة في العقود الماضية، هو العلاقة بين الدولة والشعب، وتقوية الجبهة الداخلية، والوحدة والتضامن السياسي والمجتمعي الحقيقي لعبور هذه المرحلة وإدراك أنّها من أخطر وأصعب المراحل التي نعبرها، لماذا؟!
لأنّ طبيعة التحديات مختلفة تماماً، عمّا سبق، تتضافر فيها “ضغوط خارجية” وتحولات في سياسات دولية وإقليمية تجاه الأردن مع أزمات داخلية متراكمة، فنحن أمام متغيرات جوهرية كبيرة في بنية المعادلات التي حكمت السياسات الأردنية خلال الفترة الماضية…الخ.
الأهم، ربما الأخطر، من كل ما سبق، أنّنا لا نملك رؤية توافقية بين الجميع على تشخيص ما يحدث وتوصيفه أولاً، وترسيم معالم الطريق للخروج منه والسير نحو الأمام، ثانياً. لا أعني هنا التفصيلات والاجتهادات، بل أعني تعريف المصالح الوطنية وتحديدها، بما يتجاوز القوى السياسية إلى الوسط السياسي العام، والكتلة المجتمعية الكبيرة، هي التي تفتقد لهذه الرؤية المعمّقة لما نتحدث عنه.
اليوم الدولة، كدولة، هي في قلب المعركة، بل الحرب. والمطلوب أن نكون جميعاً يداً واحدة، ثم بعد ذلك نتفرّغ للمناكفات!
د. محمد ابو رمان