ما حدث على الساحة الأردنية موخراً فيما يمس الوضع التربوي والتعليمي، يجعلنا أمام استحقاق مستعجل لا يحتمل التأخير وربما يصل الأمر إلى مرحلة الاسعافات الأولية التي تهدف إلى الانقاذ، قبل الشروع في المعالجة، والخوض في الحلول البعيدة والمتوسطة الأجل.
من الناحية النظرية والواقعية فإننا في الأردن وعموم المنطقة العربية لدينا كم كبير من المعضلات المستفحلة التي طال عليها الأمد، وكلها خطيرة ومؤثرة وذات أبعاد عميقة تمس البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتهز اركانها، وتصل حد الزعزعة وانعدام الاستقرار، لكن يجب الاتفاق على الخطوة الأولى، وهذا الاتفاق هو الأكثر أهمية، ومن هذا المنطلق يجب وضع اليد من أصحاب القرار على الجرح النازف.
المعضلتان الكبيرتان التي ينبغي البدء بهما هما معضلة التربية وبناء الانسان العربي، ومعضلة الفساد. وهما مترابطتان ومتداخلتان ومتشابكتان إلى الحد الذي يجعلهما معضلة واحدة معقدة، أودت بالمنطقة وشعوبها ودولها إلى حافة الهاوية، والسقوط المريع، فلا يمكن لنا أن ننقذ أنفسنا ونصنع نهضتنا ونحل مشاكلنا الاّ من خلال مسار بناء الانسان المتعلم الواعي المثقف القادر على بناء وطنه وحماية بلده ومقدراته ومواجهة الأعداء من اللصوص وقطاع الطرق، وفي الوقت نفسه لا سبيل لتعليم الانسان وإيجاد الاستراتيجيات التعليمية الناجحة وتطبيقها في ظل استفحال الفساد الذي ينحت في بنية المؤسسات وتعطيل النهوض ويسرق الجهود ويحارب الكفاءات ويبعد المخلصين عن مواقع القيادة والتأثير والشروع في عملية البناء والنهوض.
كل التجارب الناجحة في العالم التي حققت نجاحاً ملحوظاً ومنظوراً في بقاع كثيرة وعديدة في الكرة الارضية يمكن تلخيص التجربة باتقان مسارين متوازيين مثل سكة القطار التي لا مناص من وجودهما معاً من أجل ضمان سير القطار ووصوله إلى وجهته المقصودة، مسار التعليم الصحيح ومسار اجتثاث الفساد بلا هوادة.
نحن أمام لحظة فارقة ليست بحاجة إلى مزيد من إهدار الوقت، وليست بحاجة إلى مزيد من هذر الكلام ولا إلى مزيد من التحليل والتشخيص، وكما يقول المثل العربي « نحن مثل اللي شايف الضبع وبقص بأثره « فعندما يصل الأمر إلى دخول مجموعة من المواطنين على رئيس جامعة ويقومون بطرده، فهذه صورة من صور الخيال التي لا تخطر على بال أحد في عصر من العصور السحيقة ، وأعتقد أن الحل ليس بتلك السطحية التي تقوم على معاقبة هذه الفئة، وأن كانت تستحق العقاب ولكن يجب التفكير بعمق بوصول الحالة برمتها إلى هذا المستوى.
نحن يا دولة الرئيس بحاجة إلى ثورة داخلية بيضاء، وبحاجة إلى استنفار، وانقلاب على الذات، وإعلان حالة الطوارئ من خلال المضي الحاسم والصارم بحملة تطهير الفساد بطريقة جذرية وحاسمة، والمضي بتطبيق استراتيجية تعليمية تعيد بناء الانسان الأردني والمواطن الأردني بطريقة واضحة ومرسومة بعناية، بعيداً عن الطبطبة وذر الرماد في العيون.
د. رحيل غرايبة