الكيانات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية لها نظم وقيم وأعراف يلتزم بها الأفراد ويحترمون وجودها. الدخول إلى هذه الكيانات واكتساب عضويتها يتطلب الكثير من التدريب ولا يتم إلا بعد التأكد من أن العضو الجديد قد استدخل الأفكار والقيم والعادات وأنه يحترم قواعد السلوك ويلتزم بها.
العائلة والدولة والنقابة والحزب والجمعية والمؤسسة نماذج من الكيانات التي تقع في إطار النظام العام وتحتفظ لنفسها بقواعد وقيم وأخلاق تحرص على التزام جميع الأعضاء بها. في الحالات التي يخرج فيها الأفراد عن القيم والقواعد والأخلاق التي تحكم العمل والعلاقات داخل أي من هذه الكيانات يجري التحرك الفوري لمحاسبة الخارجين وإيقاع العقوبة عليهم.
الطاعة والاحترام والالتزام بقواعد السلوك شروط مهمة لاستمرار وجود الكيان وقدرته على أداء المهام والوظائف والأدوار التي وجد من أجلها. لذا تعمل التنظيمات على وضع دساتير توضح فلسفة وغايات وأهداف وأنشطة وشروط عضوية كل منها كما تبين حقوق وواجبات الأعضاء وتحدد طبيعة وأنواع المخالفات والتعديات التي يشكل ارتكابها خطرا على البناء والتنظيم والاستقرار للكيان وتشير إلى العقوبات المترتبة على ارتكاب مثل هذه الأخطاء والمخالفات.
لقرون وعقود عملت المجتمعات على حماية نفسها من خلال أنظمة صارمة للعقوبات فكان الحاكم يأمر بقطع رأس المخالف والقاضي يودع المخالفين في السجن والقادة العسكريون يحكمون من يخلّون بشرف العسكرية بالإعدام الميداني كل ذلك من أجل حماية الأنظمة والكيانات من الأخطار والتهديدات التي قد تقوض البناء وتضعف قدرته على القيام بالمهام والأدوار التي وجد من أجلها.
اليوم يلاحظ الجميع وجود حالة من الكسل والخدر والخمول في الاستجابة للكثير من الممارسات والأخطاء والجرائم والتعديات التي ترتكب بحق الأنظمة والكيانات وبحق الوجود والاستقرار. الاستجابات السريعة والصارمة التي عرفت في السابق اختفت لحساب التحقيقات الطويلة والإحالة إلى القضاء ودخول القضايا في أنفاق ودهاليز طويلة غالبا ما تنتهي بعدم المسؤولية أو البراءة.
الإجراءات الطويلة المتداخلة وبطء سير القضايا في نظام العدالة الجنائية عوامل مهمة ساهمت في إضعاف فعالية الردع وشجعت البعض على التمادي في ارتكاب الأفعال المخلة بالنظام والمهددة لاستقرار المجتمع دون أي إحساس بالخوف من الملاحقة والعقوبة.
على طول البلاد وعرضها وفي مختلف الأوساط أصبحنا نسمع يوميا بهتافات مطلبية واستخدام مفرط لكلمة ” خاوة”.في اللغة العربية تعني كلمة خاوة الحصول على الشيء رغما عن الآخرين أو اغتصاب المال أو الملكيات التي هي ليست من حق المغتصب. طلاب المدارس والجامعات وجموع المعتصمين وغيرهم يستخدمون مصطلح خاوة على مسامع الشرطة والقضاة والمدراء والوزراء وبصيغة تحمل الكثير من التحدي للسلطة ورموزها.
إعادة إحياء الاصطلاح الذي كان مستخدما في مرحلة ما قبل نشوء الدولة وبسط نفوذها وانتشار استخدامه في الأرياف والبادية وحتى في المراكز الحضرية ظاهرة تنبئ بالخطر وتستدعي البحث الفوري عن الأسباب والدوافع والظروف التي أدت إلى ذلك والعمل على إيجاد البرامج والإجراءات الكفيلة بالحد من تفشي ثقافة التمرد والتحدي التي قد تقود إلى العصيان.
اعتداء المارة على شرطي المرور ودخول مجموعات من العاملين إلى مكتب مديرهم وإخراجه عنوة بعض من أشكال الترجمة الفعلية لشعار “خاوة”. كما أن قيام نافذين بحماية عشرات المروجين للمخدرات ومثيري الشغب ومعتدين على القانون، والمساعدة على إخلاء سبيلهم شكل آخر من ترجمة هذا الشعار!
د. صبري الربيحات