كتّاب

كانت وستبقى حربًا دينية

كثيرون يحذّرون من وقع حرب دينية، بين اليهود والمسلمين في العالمين العربي والاسلامي، وهؤلاء لا يريدون ان تكون هناك حرب دينية، وان تكون العقدة بيننا وبين اسرائيل، سياسية، مرتبطة باحتلال فلسطين، وما يجري يوميا من ممارسات اسرائيلية ضد المنطقة برمتها.
من قال لكم انها ليست حربا دينية، وانها غير قائمة اساسا، وفقا لهذا التعريف، خصوصا، ان المشروع الاسرائيلي برمته قائم على التوراة، والرؤى الدينية اليهودية، وما يعتبره اليهود وعدا إلهيًا لهم بالعودة الى فلسطين، ولماذا يراد منا، ان ننزع الدين في هذا المشهد، ولصالح من، خصوصا، حين يكون الاحتلال فعليا، قائما على اساس ديني بحت، لا يزال يغذي روح الدولة الاسرائيلية.
هذه غرائب العرب، نتنازل عن كل شيء، بالتدريج، فلسطين التي كانت قضية اسلامية عربية، صارت قضية فلسطينية، وكأن الفلسطينيين لديهم القدرة اساسا على تحريرها، دون خزان الدم العربي والاسلامي في جوارها التاريخي، والممتد، ووجود اسرائيل التوراتي والديني، يراد تناسيه، فيحذرنا البعض من الحرب الدينية المحتملة، علما انها قائمة، وبدون اكتمالها لا يمكن لهذا الاحتلال ان يزول.
قبل يومين وبعد اقتحامات المستوطنين للمسجد الاقصى، التي تتزامن معها تقريبا اقتحامات عشرات آلاف اليهود للحرم الابراهيمي في الخليل، خرجت دائرة اوقاف القدس، لتقول « إن المسجد الأقصى هو الحرم القدسي الشريف بمساحته البالغة 144 دونما، بجميع الطرق المؤدية إليه وهو مسجد إسلامي وجزء أصيل من عقيدة كل المسلمين ولا يقبل القسمة ولا الشراكة، وهو ملك خالص للمسلمين وحدهم لا يشاركهم فيه أحد» وهذا الكلام صحيح، في وجه محاولات التقاسم الجغرافي او الزمني، الذي تسعى اليه اسرائيل، ما بين الفلسطينيين والاسرائيليين.
اضافت الدائرة في بيانها « نحذر من اتخاذ أي قرار من شأنه أن يلغي إسلامية المسجد الأقصى المبارك، ومن مغبة ما تقوم به الجهات اليهودية اليمينية المتطرفة التي تسعى لإثارة حرب دينية في المنطقة وما تقترفه من انتهاكات بحق المسجد الأقصى المبارك، وبتغطية وحماية من شرطة الاحتلال والسياسيين».
لا تعرف لماذا تم استعمال مصطلح  الحرب الدينية والصياغات التي تتحدث عن رغبة اليهود باثارة حرب دينية، وكأننا نتعامى هنا عن الواقع، واقع نشأة اسرائيل اساسا، وفقا لرؤية دينية توراتية، وواقع بنية اسرائيل الداخلية التي مهما بدت علمانية، وغير دينية، الا انها دينية بالمعنى الذي تعنيه الكلمة، وكل استمداد السياسات الاسرائيلية، ينبع من جذر ديني، سواء تم ذلك عبر مسؤولين علمانيين، او متدينين، او عبر اي جهة، او مؤسسة، ونحن نخوض حربا دينية بما تعنيه الكلمة، منذ ان نشأت اسرائيل وحتى يومنا هذا، وليس هناك داع للتعامي من جانبنا عن هذا الواقع، والتباكي على طبيعة الصراع والتحذير من نشوب حرب دينية، كونها قائمة فعليا، بين مشروعين، في هذه المنطقة.
تشعر احيانا، اننا لا نجيد سوى التنازل عن خصوصياتنا واشيائنا، من الثقافة والدين، وصولا الى كل ما يخصنا، حتى يرضى هذا العالم عنا، فيقوم بعضنا بادارة الموقف، سياسيا، او اعلاميا، او عبر تلوين المصطلحات، ليخالف الحقيقة الاساس، التي يدركها الكل، اي ان اسرائيل دولة احتلال ذات طابع ديني من حيث النشأة، والاهداف، والتخطيط.
غريب جدا، ان تحذر اوقاف القدس، من غايات المتطرفين اليهود، باثارة حرب دينية، وهم يشرفون على ثالث القبلتين، اي المسجد الاقصى، ومسجد قبة الصخرة،  والحرم القدسي الذي يعد موقعا دينيا لا ينفصل استهدافه عن استهداف الحرم الابراهيمي، وكل فلسطين، كما هي في الاطماع الاسرائيلية، المؤيدة بالرواية التوراتية وتفسيراتها وتأويلاتها وتوظيفاتها أيضًا.

ماهر ابو طير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *