كتّاب

على الواجهة الشمالية

تجربة حزبية جديدة أن يفكر مجموعة من أمناء الأحزاب الأردنية المشتركين في إطار الائتلاف الوطني في زيارة الواجهة العسكرية الشمالية تحت إشراف قيادة حرس الحدود التي تتولى حراسة ما يقارب ( 240 ) كم تقريباً من الشمال والشمال الغربي، حيث تم الاطلاع على تجربة مثيرة في التعامل مع أطراف سياسية عديدة خلال سبع سنوات سابقة قبل استطاعة النظام السوري أن يفرض سيطرته على الحدود .
الزيارة الحزبية تمثل رسالة جديدة إلى المحتمع الأردني أولاً، بأن الأحزاب هي عبارة عن أجسام وطنية وليست أجساماً مناوئة ولا غريبة عن الدولة والمجتمع وليست تابعة لجهات خارجية، وانما هي جزء من نسيج هذا الشعب ومؤسساته المدنية والعسكرية، وفي مقدمة من يحترم القانون والدستور، وهي الأولى بارساء قيم التعاون والمشاركة مع مؤسسات الدولة الحكومية وأجهزتها على حماية هذا الوطن وخدمة هذا الشعب .
لقد استطاعت قواتنا المسلحة الساهرة على الحدود التعامل مع هذه الظروف الاستثنائية الخطرة على الصعيد السياسي والعسكري بمنتهى الحرفية ودقة التوازن، الذي أسهم في حفظ المؤسسة العسكرية من الانجرار إلى معارك ليست في خدمة المصلحة القومية للأمة العربية ولا تصب في مصلحتها السياسية، في الوقت نفسه مارست أعلى درجات الضبط في كبح جماح تسلل المتطرفين والجماعات الإرهابية، دون إهمال للدور الإنساني المقدر في التعامل مع اللاجئين المدنيين وتقديم الخدمة للأطفال والنساء والمصابين ضمن قدرات الجيش وامكاناته المادية وزيادة.
ما يستحق الاهتمام ولفت الانتباه أننا في معركة مختلفة، ومع عدو مختلف، فالعدو ليس ظاهراً واضحا ومحددة مثل الجيوش المحترفة التي تخوض المواجهة المسلحة، بل هو عدوُ متخفٍ في صفوف المدنيين، وهذه المواجهة الاستثنائية مع هذا العدو تأخذ كل أبعاد المواجهة التفصيلية من عسكرية وأمنية ومعنوية، ولكن هناك أبعاد أخرى لا تقل خطراً عما سبق وهي المواجهة الفكرية والثقافية التي تتسربل أحياناً بالمعتقدات الدينية وبعض الأقاويل الفقهية والأفكار المشوهة التي تم العناية بها عن طريق بعض الجهات المختصة ودوائر الاستخبارات العالمية ذات المأرب المخفية التي تخص السيطرة على مقدرات هذه الأمة وتجريدها من عوامل القوة والوحدة .
عملية المواجهة في هذا اللون من الحرب لاتنجح الاّ عبر بناء جسور التعاون والمشاركة بين الجناحين العسكري والمدني، حيث أشار القائد العسكري لحرس الحدود على الواجهة الشمالية أن الفضل الكبير في نجاح كثير من عمليات التعقب  يعود للمدنيين في عملية جمع المعلومات عن مثل هؤلاء المتسللين، لأن السكان المحليين يعرفون الغرباء الذين يقدمون اليهم بطريقة لا تتسنى للعسكريين، وهذا يقودنا إلى حقيقة واضحة تتمثل بدور الأحزاب السياسية المأمول في القيام بدور بناء الرديف المدني الفاعل لمؤسسات الدولة وأجهزتها المختلفة، من أجل تحقيق النجاح في عملية المواجهة مع خطر الإرهاب والتطرف الذي أسهم في تخريب الأقطار العربية المجاورة وتدمير مؤسساتها وإعاقة عملية التقدم والبناء النهضوي فيها .
نحن أمام عتبة جديدة تقتضي منا استنفاراً وطنياً عاماً من أجل المشاركة في بناء المشروع النهضوي الكبير للدولة والمجتمع الذي يرتكز على العلم والمعرفة والجهد الجمعي الدؤوب القائم على التخطيط والرؤية الاستراتيجية بعيدة المدى، وعبر بيئة نظيفة خالية من الفساد، وخالية من الإرهاب  في وقت واحد.

د. رحيل غرايبة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *