كتّاب

إدلب: المشهد الختامي للأزمة السورية

بدا من مجريات القمة الثلاثية في مدينة تبريز الإيرانية، أن حسابات تركيا ومصالحها في إدلب السورية أكبر من أن يعوضها التحالف “الاستراتيجي” مع روسيا، والروابط الاقتصادية المتنامية مع إيران.
في تبريز وضعت تركيا فيتو كبيرا على عملية عسكرية وشيكة في محافظة إدلب، تخطط سورية وروسيا لشنها بدعم واضح من إيران.
اقتراح وقف إطلاق النار الذي عرضه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على نظيريه الروسي فلاديمير بوتين والإيراني حسن روحاني لم يلق قبولا من الزعيمين.
موسكو وطهران مصممتان على شن هجوم لإعادة السيطرة على إدلب. المنطق الروسي السوري الإيراني متماسك إلى حد كبير ويقوم على فرضية يصعب دحضها أساسها حق الحكومة السورية ببسط سيطرتها على كامل التراب السوري.
لكن المشهد في إدلب معقد ويلخص الصورة الكلية للأزمة السورية، وليس مستبعدا أبدا أن يكون المشهد الختامي لسورية برمتها بعد أكثر من سبع سنوات على حرب طاحنة.
من بين ثلاثة ملايين شخص يقيمون في محافظة إدلب، هناك ما لا يقل عن تسعين ألف مقاتل ينتمون لفصائل الجيش الحر والتنظيمات الإرهابية. هيئة تحرير الشام “النصرة” هي أكبر الجماعات نفوذا في إدلب ومصنفة كتنظيم إرهابي، وقد أقرت تركيا بهذا مؤخرا.
تركيا مستعدة للتعاون مع روسيا للقضاء على “النصرة”، لكنها في المقابل تفضل تسويات سياسية وميدانية مع الفصائل الأخرى. وفي الوقت ذاته تخشى من أن تؤدي عملية عسكرية كبرى لنزوح مئات الآلاف من السوريين صوب أراضيها، وهو سيناريو يرعب تركيا التي تستضيف نحو ثلاثة ملايين لاجئ سوري.
يصعب على موسكو شن عملية عسكرية شاملة في إدلب من دون موافقة تركيا ودعمها، فثمة صعوبات ميدانية، ناهيك عن المخاطر السياسية المترتبة على انهيار التفاهمات التركية الروسية في سورية.
المرجح، وفق تقدير خبراء، تنفيذ عمليات سورية روسية منسقة لاستهداف مواقع “النصرة” في إدلب وتجنب الفصائل المحسوبة على تركيا والمناطق المأهولة بالمدنيين. وفي الوقت ذاته العمل مع تركيا على إنجاز تسويات سياسية ومصالحات على غرار ما حصل في جنوب سورية مع الإقرار بصعوبة المهمة في إدلب.
واشنطن ليست بعيدة عن مسرح الأحداث، فقبل أيام أرسلت الخارجية الأميركية فريقا برئاسة المبعوث الجديد لسورية، جيمس جيفري، جال في دول المنطقة وأبلغها بما تم مؤخرا من تحديثات على الموقف الأميركي حيال الأزمة السورية. جيفري أبلغ دول المنطقة أن بلاده ستمدد وجودها ونفوذها في سورية لمحاصرة تنظيم داعش الإرهابي ومواجهة النفوذ الإيراني.
ورغم تحفظات دول في المنطقة على استراتيجية واشنطن المتقلبة في سورية، إلا أن الاهتمام المتزايد من طرف الإدارة الأميركية بالتطورات في إدلب والتحذيرات التي يطلقها ترامب للروس والسوريين يترجم ما قاله جيفري من أن “واشنطن ما تزال في اللعبة” وينبغي على جميع الأطراف التكيف مع هذا المستجد.
حسم ملف إدلب لن يكون بالسهولة التي حسمت فيها دمشق وموسكو ملف الجنوب السوري، على سبيل المثال، فقد كان معلوما من قبل أن تحويل إدلب إلى مستودع كبير للمسلحين والإرهابيين والنازحين، سيجعل منها الساحة الأخيرة في الصراع السوري، يتوقف على نتيجتها مسار الأحداث اللاحقة في سورية وشكل التسوية السياسية، وهي في كل الأحوال مسألة وقت.

فهد الخيطان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *