كتّاب

برقيات دمشق في بريد الأردن

كل المؤشرات على العلاقة الاردنية السورية، غير مشجعة حتى الان، وعلى ما يبدو ان دمشق الرسمية تعتقد ان مرحلة ما بعد الحرب، يجب ان تشهد تصفية لحسابات الحرب.
ليس ادل على ذلك، من تعامي دمشق عن الكلفة الانسانية للحرب، وخروج ملايين السوريين الى الاردن، ودول اخرى، والاستغراق في وضع الشروط على جوار سوريا، بروحية المنتصر، الذي تتبجى حساباته بطريقة تتعامى عن كل هذا الخراب، فيخرج مسؤولون سوريون ليقولوا ان لا مكان للدول التي دعمت الثورة السورية، في صفوف الدول التي ستتولى اعمار سورية، والكلام في حقيقته موجه الى الاردن كأحد الاطراف المتهمة بدعم الثورة، وكأن دمشق تريد اطفاء كل هذه النيران والتعامي مجددا عن الضحايا وتحويل الازمة السورية الى ازمة اردنية في بعض اوجهها، وتحويل القصة الى قصة اسمنت يتم تصديره، ومواد بناء، ومشاريع مقاولات، وعطاءات يتربح منها العالم بعد هذا الخراب.
هذه الذهنية لم تقف عند هذا الحد، بل ان وزير الخارجية السوري، يقول في الامم المتحدة، مشترطا على العالم، في ملف اعادة الاعمار، ان تساهم الدول التي لم تتورط في دماء السوريين، باعادة الاعمار، وان لا مكان للدول المتهمة بالتورط في الثورة، وهذه بحد ذاتها عجيبة، لاننا اول مرة امام طرف يشترط على الذين يريدون التبرع بأموالهم، ان يكونوا ضمن مواصفات سياسية معينة هذا على الرغم من حجم الكارثة التي بحاجة الى مئات المليارات، والى مساهمين من كل الجهات، ولا اظن ان دمشق تمتلك في الاساس ترف اختيار المتبرع، في الوقت التي هي بحاجة الى كل مساهمة.
ما شهدناه حول معبر نصيب، يصب في ذات الاتجاه، اذ ان دمشق تعتقد ان فتح المعبر اولوية اردنية فقط، هذا على الرغم من ان المعبر تاريخيا، كان يخدم الاردن، وسوريا، ولبنان، وتركيا، وحتى شعوب مسلمة كانت تأتي عبر رحلات بعيدة، الى الديار المقدسة، من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابقة، مرورا بتركيا، وسوريا، ووصولا الى الاردن والديار المقدسة، وهذا يعني ان فتح المعبر اولوية سورية، مثلما هو اولوية اردنية، ان لم يكن سورية اكثر.
في احسن الحالات، يمكن ان نقول ان هذه حالة تريد فعليا، ان يقوم الاردن بتغيير جذري في العلاقات مع دمشق، بحيث تكون هناك حزمة واسعة من الاجراءات من اجل طي ما تراه دمشق صفحة من الماضي،  بحيث يتم عودة السفراء، ولربما يطالبون الاردن باعتذارات عما يرونه خطايا اردنية، هذا على الرغم من ان مراقبين يرون من جهة اخرى ان عرقلة فتح المعبر حتى الان، غايته عرقلة مليون سوري برا الى سوريا، لكن هذا الاتهام بحاجة الى وقت كاف حتى تثبت صحته، نهاية المطاف.
لا تثبت دمشق، لا لمواطنيها، ولا لدول الجوار، اي رغبة حتى الان باعادة انتاج العلاقات، على مستويات مختلفة، والواضح ان استحكام ما يمكن تسميته بدروس الثورة في الدولة السورية، هو الذي يسيطر على كل شيء، بدلا من اشاعة التفاهم والتسويات، على مستوى العلاقة مع المواطنين، ومع دول جوار سوريا، وبقية دول العالم.
الرسائل التي تبرقها دمشق غير مريحة، وتستند الى ذهنية تقول ان دمشق انتصرت، وان على الجميع دفع الثمن، هذا على الرغم من ان الخسارة المؤلمة جدا في سوريا، على المستوى الانساني، ومستوى البنى التحتية والاقتصادية والاجتماعية، خسارة لا تجعل أحدا يحتفل بنصره، فعلى من انتصروا، وعلى حساب من، وماهي كلفة هذا الانتصار؟!.

ماهر ابو طير

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *