مع مرور الوقت تكشفت تفاصيل جديدة عن فاجعة البحر الميت أسهمت إلى حد كبير في تمييز الحقائق عن الأقاويل.
من الناحية المبدئية ثبت أنه لا علاقة بين انهيار الجسر على طريق البحر الميت وبين فاجعة الغرق. شهادة المعلمة الشجاعة مجد الشراري التي نجت برفقة 13 طالبا وطالبة من المحنة المأساوية أظهرت ذلك بشكل قاطع. الشراري أكدت في مقابلة تلفزيونية مع قناة “المملكة”، أن مياه السيول داهمت المشاركين في الرحلة المدرسية أثناء مسيرة بواد يبعد كيلومترات عدة عن موقع الجسر الذي انهار بعد ساعات على حادثة السيل.
الجديد والمؤلم فيما حصل، ما صرحت به وزيرة السياحة والآثار لينا عناب لموقع عمون الإخباري، من أن تعليمات الوزارة المعروفة جيدا لدى الشركات المتخصصة بتنظيم سياحة المغامرات تحظر على من تقل أعمارهم عن 18 سنة من دخول الوديان والسيول والمشاركة في رحلات المغامرة.
والأسئلة هنا كثيرة، لماذا خالفت المدرسة والشركة هذه التعليمات وقبلت بتنظيم رحلة لفتية وفتيات تقل أعمارهم عن 18 عاما؟ ولماذا وافقت وزارة التربية على طلب الرحلة وهي تعلم أنها مخالفة للتعليمات؟ والسؤال الثالث، إذا كانت وزارة السياحة تحظر على من هم دون سن 18 المشاركة في مغامرات خطرة كهذه، لماذا لم تطلب من الجهات الأمنية المختصة تسيير دوريات وإقامة نقاط مراقبة في المناطق المحددة لضمان التزام المشاركين والمنظمين بهذه التعليمات؟
تقول المعلمة الشراري، في روايتها، إنها وطلابها ظلوا عالقين بين الصخور ساعات حتى مغيب الشمس بانتظار من ينقذهم، فتعليمات الرحلة كانت تحظر عليهم حمل هواتفهم الخلوية، مما حال دون قدرتهم على الاتصال بالدفاع المدني لطلب المساعدة.
إذا كانت طبيعة الرحلات تقتضي عدم حمل الهواتف، أوليس من الضروري تنظيم دوريات نجدة من أفراد متخصصين داخل تلك الأودية لتقديم المساعدة عند الحاجة؟ إضافة إلى ذلك تركيب أنظمة إنذار مبكر لتحذير السياح من أخطار محتملة نتيجة للظروف الجوية المتغيرة.
قد لا يكون لكل هذه الأسئلة والملاحظات قيمة في الوقت الراهن، فالفاجعة كبيرة ولا يمكن تعويض خسائرها، لكنها تظل ذات قيمة للمستقبل، كي لا تتكرر المأساة مرة أخرى.
اللجنة التي شكلها رئيس الوزراء للتحقيق بالفاجعة ستكون معنية بتقييم ومراجعة التعليمات والأنظمة وأداء المؤسسات المعنية، وتحديد أوجه القصور في عملها وتصويبها، أما الجانب الآخر من القضية فمتروك للجهات القضائية التي بيدها الملف حاليا لتحديد المسؤولية الجنائية في الحادث وتقرير ما إذا كان هناك أشخاص يستحقون المساءلة أمام القضاء عن تقصيرهم أو مخالفتهم للتعليمات وتعريض حياة أبرياء للموت.
في مثل هذه الأحداث المفجعة ينتاب الجميع من أصحاب الضمائر الحية شعور بالحزن والذنب، لكن ثمة أشخاص بعينهم في مختلف المواقع ينبغي أن يشعروا بذلك بقدر أكبر من غيرهم، وعليهم أن لا يجازفوا باحتمال مشاعرهم من دون التعبير عنها بطرق كثيرة.
فهد الخيطان