أقصر الطرق وأسهلها لاحتواء التذمر في الأردن وإرضاء النخب السياسية المتعطشة دائما، تغيير الحكومة، ولنا في هذا الميدان تاريخ طويل وعريق، جعل منا مضربا للمثل.
وعندما يشتد الخطب نضيف إلى هذا المطلب مطلبا آخر يتمثل برحيل مجلس النواب.
المطلبان ظهرا بشكل بارز في شعارات الشبان المحتجين قرب الدوار الرابع، تساندهم فيها شخصيات سياسية مستقلة. لكن إلى جانب ذلك كانت هناك حزمة من المطالب المستعجلة أهمها إصدار عفو عام والتراجع عن تشريعات كقانون الضريبة والتعديلات المقترحة على قانون الجرائم الإلكترونية وإلغاء بند فرق أسعار الوقود عن فاتورة الكهرباء والإبقاء على دعم الخبز، الذي تم الاستعاضة عنه بدعم نقدي مباشر للفئات المستحقة.
ينبغي على الداعين لهذه المطالب، وكلها قضايا تستحق فعلا النقاش، أن يكونوا أكثر وضوحا في موقفهم كي لا يسقط السجال العام في خانة العبثية. والسؤال الأساسي هنا، هل المطلوب من هذه الحكومة تحقيق حزمة المطالب التشريعية والمعيشية أم المطلوب رحيلها فورا لتتولى حكومة جديدة تحقيقها؟
إذا كان الهدف هو رحيل الحكومة حالا وتحل مكانها حكومة ثانية لتحقق هذه المطالب، فعلينا أن نتذكر أن حكومة الدكتور هاني الملقي رحلت لنفس الأساب تقريبا، وجاءت حكومة الرزاز للتعامل مع نفس الملفات تقريبا، وفي نظر تيار غير بسيط في البلاد لم يكن هناك فروق كبيرة في أساليب المعالجة ولا في السياسات المقترحة، والمثال على ذلك قانون ضريبة الدخل.
فرق أسعار الوقود واستبدال دعم الخبز بالدعم النقدي، وتعديلات قانون الجرائم الإلكترونية وقانون ضريبة الدخل، كانت بمجملها مطروحة من قبل حكومة الملقي، بعضها تم حسم أمره وبعضها الآخر تولت حكومة الرزاز معالجته.
كان يمكن للحوار العام أن يستمر حول هذه القضايا بدون رحيل حكومة الملقي، لكن لحظة الشارع الأردني حينها اقتضت تغييرا غير مبرمج مسبقا.
لقد أثبتت تجارب سابقة أن التغيير عبر آليات الحوار المدعومة بنبض الشارع هو الأجدى في الحالة الأردنية، وهو ما يعني في اعتقادي تبني الخيار الأول بالنسبة للمحتجين والداعمين لتحركهم. بمعنى؛ الانخراط في حوار مع الحكومة لتحقيق أكبر قدر ممكن من المطالب المعروضة. وأظن أن الظروف مواتية تماما للحصول على تنازلات معتبرة من الحكومة بشأن قضايا ملموسة وذات أثر مباشر على مصالح الناس. التغيير الوزاري لا يجلب سوى الوعود في الأردن ولسنا بحاجة للمزيد منها.
أما رحيل مجلس النواب حاليا، فلا يعني سوى خوض جولة جديدة من الانتخابات بلا فرق يذكر في النتائج. ولنتذكر هنا أن الحراكيين أنفسهم في الشارع لا يملكون برنامجا انتخابيا موحدا يمكن أن يخوضوا على أساسه الانتخابات النيابية. الشعارات التي تصدح بها الحناجر تصلح في المظاهرات والاعتصامات، لكن عند الدخول بالتفاصيل وصياغة البرامج السياسية سنكتشف حجم التباينات في وجهات النظر. تجارب السنوات الأخيرة من الحراك الشعبي والسياسي أعطتنا دروسا لا يمكن نسيانها، فأبناء الحزب الواحد اتفقوا في الشارع واختلفوا في الانتخابات والحسابات السياسية، وقوى الحراك لم تنجح في التفاهم على قائمة انتخابية وبرنامج واحد عندما حان الموعد مع صناديق الاقتراع.
فهد الخيطان