سألني صديقي النائب “كيف تقرأ تصريحات رئيس مجلس النواب التي هاجم فيها مشروع القانون المعدّل لضريبة الدخل؟!، هل يأتي ذلك ضمن عملية امتصاص ردود فعل الشارع واحتوائها، أم أنّ هنالك بالفعل “مساحة حركة” لدى النواب لمناقشة المشروع المعدّل واتخاذ موقف منه، بما في ذلك إدخال تعديلات حقيقية عليه؟!”.
سؤال النائب مرتبط بتخوّف كشف عنه أيضاً يتعلّق بصورة المجلس التي هي في تدهور مستمر، وفي حال الموافقة المطلقة على القانون، من دون نقاش معمّق وتعديلات، فإنّ ذلك بمثابة “رصاصة الرحمة” على مصداقية النواب وشرعية المجلس!
هذه الهواجس حقيقية من المفترض أن تؤخذ بعين الاعتبار في التعامل مع الدورة الاستثنائية التي ستكرّس لمناقشة مشروع القانون، وهي ليست فقط هواجس، بل أصبحت -للأسف- انطباعات عميقة، حتى لدى مؤسسات دولية، مثل صندوق النقد الدولي؛ إذ تفاجأ الفريق الذي ذهب لمناقشته في البرنامج والسياسات الحكومية المطلوبة من أجل القرض، بأنّ الصندوق أخبرهم بأنّ الحكومة قادرة على “الضغط على النواب” بقنوات خلفية للقبول بالصيغة المقترحة، وعلى الإعلام لتمرير المشروع من دون معارضة أو نقاش حقيقي.
هذه الانطباعات عن “السياسات الأردنية” -بتقديري- أسوأ بكثير من عملية تمرير قانون الضريبة، وأخطر ما في الأمر أن يتم الحديث عنها بفجاجة وصراحة مطلقة من قبل مسؤولين دوليين.
دعونا، الآن، نعُد إلى النقطة المهمة؛ وأنا هنا أتجاوز التعديلات الجديدة، التي أؤيد بعضها وأنتقد بعضها (سوف أشرح ذلك في مقالٍ لاحق)، إلى العملية نفسها الـProcess، وهي اليوم لا تقل أهمية عن المشروع المعدل، فهل سنؤكّد مزاعم الصندوق وانطباعاته أم نثبت له أنّ ذلك غير صحيح، وأين تقع مصلحة الدولة والحكومة في هذه القضية؟
داخل الدولة هنالك تياران؛ الأول يرى بأنّ الأفضل تمرير القانون بسرعة من دون نقاشات وسجالات، قد تحرّك الرأي العام وتؤلب المزاج المتألب أصلاً ضد الحكومة، وبالتالي السرعة والهدوء عاملان مهمان، بالنسبة لمجلس النواب والإعلام على السواء. أمّا التيار الآخر فيرى أنّ الدولة لن تخسر شيئاً، بل قد تربح كثيراً في حال تمّ تأطير نقاشات معمّقة وحوارات في أوساط النواب والرأي العام والإعلام بخصوص التعديلات المطروحة، حتى لو أدى الأمر إلى إيجاد تعديلات على المشروع المعدّل، في حال كانت منطقية، لم لا؟!
إذا قارنّا بين النظريتين السابقتين، فإنّ الاتجاه الثاني أقوى بكثير من أكثر من زاوية، على صعيد احترام مؤسسات الدولة ومنحها قدراً من المصداقية، وعلى صعيد عقلنة الحوار الوطني وتأطيره بصورة صحيحة، وبنقاشات موضوعية، وقولبة المشهد حول هذا الحوار، وليس حول الآراء الراديكالية الساخطة، فهذا أفضل للدولة، وعلى صعيد ثالث تحجيم تلك الانطباعات الدولية المؤسفة عن “السياسات الأردنية”!
فلتطرح الحكومة وجهة نظرها وتدافع عنها، وليناقش النواب مشروع القانون، ولتكتب المقالات المتخصصة، وليشتبك الوزراء والمسؤولون مع الشارع، فهذا أفضل بكثير من الحالة الراهنة التي تتسم بفجوة عميقة بين الحكومة والرأي العام.
هذه مسؤولية الوزراء والخبراء الاقتصاديين في تقديم موقف الحكومة وعرضه، ومن يفضّل من الوزراء مبدأ “سكّن تسلم” وغير موافق على القانون أو هذه السياسات فليقدم استقالته ببساطة، ويذهب إلى منزله، أمّا حالة اللامبالاة الحالية فلا تخدم الحكومة، ولا تهدئ الرأي العام، بل تضاعف من حجم الأضرار الناجمة عن حالة عدم الثقة المتنامية في الحكومات المتتالية!
د. محمد ابو رمان