لا يمكن للحكومة أن تتجاهل أحداث الأمس. النقابات والقطاعات المؤازرة نجحت في حشد معارضة وازنة لقانون الضريبة في الشارع. بدا ذلك جليا في الحشد بمجمع النقابات والمحافظات، وحجم الاستجابة من طرف أصحاب المحال التجارية والمستشفيات العامة والخاصة.
صحيح أن عنوان الإضراب هو الاعتراض على تعديلات قانون ضريبة الدخل ونظام الخدمة المدنية، لكن تحت هذا العنوان انخرطت أوساط اجتماعية متضررة من سياسات التصحيح الاقتصادي التي انتهجتها الحكومة في السنة الأخيرة.
مقاربة الحكومة منذ البداية واضحة، وينطبق عليها المثل المعروف “إذا أردت صنع العجة فعليك تكسير البيض”. ثمة إجراءات قاسية كان لا بد من اتخاذها لإنقاذ الاقتصاد الوطني من الغرق في المديونية أكثر، والتحوط للتحولات الخطيرة التي يشهدها الإقليم، وتراجع حجم المساعدات للأردن.
لكن في الطريق لتنفيذ هذه الخطة وقعت أخطاء قاتلة، كما اصطدمت الحكومة بواقع اقتصادي اجتماعي أسوأ مما كانت تعتقد. أكبر التحديات التي واجهتها هي صعوبة التوفيق بين متطلبات الإصلاح المالي والحاجة لتحفيز النمو الاقتصادي وتحريك عجلة الاستثمار في البلاد، فبدا أن الهدفين في وضعية تصادم بدل أن تكون الإجراءات المالية في خدمة الإصلاح الاقتصادي.
لم تتمكن الحكومة من فك هذه المعادلة أو على الإقل إقناع شريكها الاستراتيجي “القطاع الخاص” بصحة سياساتها.
وعلى الرغم من مشاركة أوساط من موظفي القطاع العام بإضراب أمس، إلا أن العنوان الحقيقي له كان المواجهة مع القطاع الخاص الذي لعب دورا بارزا في التحشيد للإضراب.
لم تبد الحكومة لغاية الآن إشارة على استعدادها لتلبية طلب النقابات المهنية بسحب مشروع القانون. وقد يبدو مثل هذا الأمر صعبا عليها، بما يترتب عليه من نتائج سياسية وحسابات داخلية لمجمل مؤسسات صناعة القرار. النقابات بالمقابل متمسكة بمطلبها، وأعلنت نيتها تنظيم وقفة احتجاجية الأربعاء المقبل للمطالبة بإسقاط الحكومة، ورهانها على استمرار الزخم الذي تحقق بالأمس.
لحظة سياسية ما كان ينبغي الوصول إليها أصلا، وخطورتها ليست في عناوينها، بل بما يمكن أن ينجم عنها من تداعيات داخلية، في ظل حالة عامة تتسم بعدم اليقين، واستعداد أطراف وشخصيات عديدة لاستثمارها لمآرب خاصة.
ينبغي على الطرفين الحكومة والنقابات أن يجلسا ليقيما ما حصل ومسار الأحداث في ضوء التوقعات لتجنب خيار الصدام والبحث عن مخرج لهذا المأزق، وربما تغدو الحاجة ملحة للتفكير بدخول طرف ثالث على خط الأزمة لبلورة تصور بديل للخيارات الصفرية التي يتمسك بها الطرفان.
هناك مؤسسات في الدولة تتمتع بثقة ومصداقية، يمكنها أن “تستضيف” الطرفين على مائدة حوار قبل يوم الأربعاء المقبل للبحث في صيغة توافقية تعالج النقاط الخلافية في مشروع قانون الضريبة، يسبقها اتفاق على تحييد الشارع من المواجهة، وتجنيب الاقتصاد الوطني مزيدا من المشاكل، ففيه ما يكفيه من الأوجاع.
فهد الخيطان