لم تتأخر دولة قطر عن مد يد المساعدة للأردن في أزمته الاقتصادية أسوة بشقيقاتها “اللدودات”. بعد قمة مكة بأيام، زار وزير الخارجية القطري عمان، وأعلن عن قرار حكومته تخصيص مبلغ 500 مليون دولار لغايات استثمارية، وتخصيص 10 آلاف فرصة عمل للأردنيين في قطر.
العلاقات الأردنية القطرية تعيش مفارقة عجيبة، فبعد قرار الحكومة الأردنية تخفيض مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين وإغلاق مكتب قناة الجزيرة في عمان، تضامنا مع قرار ثلاث دول خليجية قررت فرض حصار سياسي واقتصادي على قطر، انتعشت العلاقات التجارية بين عمان والدوحة. وعلى مستوى سياسي غير مكشوف تحسنت العلاقات بين المسؤولين في البلدين، وتجنب الطرفان الانخراط في مواجهة إعلامية على غرار ما هو حاصل حاليا بين قطر وشقيقاتها الخليجيات.
لم تكن العلاقات الأردنية القطرية قبل الأزمة في أحسن حال. كان هناك فتور بيَّن مرده حساسيات ثنائية وتباينات في المواقف السياسية. ولم ينس الأردن لقطر أنها الدولة الخليجية الوحيدة التي تخلفت عن دفع ما تعهدت فيه دول مجلس التعاون من مساعدات مالية للأردن قبل أزيد من ست سنوات.
هل موقف الأردن من أزمة قطر كان ليختلف لو أنها دفعت ما التزمت به؟
ربما، وربما أيضا أن القطريين ندموا على قرارهم بأثر رجعي، بعد الأزمة الأخيرة.
كان واضحا أن تحرك دول خليجية لمساعدة الأردن تم بإيحاء أميركي. هل حصل الشيء نفسه مع قطر؟
حتى لو استبعدنا ذلك، فثمة مبررات قطرية أقوى للتحرك صوب الأردن، يمكن تلمسها في سياق السياسة القطرية بعد الأزمة، التي تقوم على مبدأ اختصار قائمة الخصوم، وتعظيم دائرة الحلفاء لاحتواء التداعيات السياسية والاقتصادية للحصار المفروض عليها.
لقد بدت الدبلوماسية القطرية في الآونة الأخيرة تصالحية أكثر من أي وقت مضى، وتنأى بنفسها عن الملفات الخلافية سواء على المستوى الثنائي أو الإقليمي، فما تلقته من معاملة من الدول الخليجية الثلاث مثل صدمة للقطريين، فرضت عليها إجراء مراجعة جذرية لمقارباتها السابقة، من أبرز تجلياتها نسج تحالف وثيق مع إيران وتركيا في آن معا!
العلاقة مع الأردن مثال آخر على التبدل في السياسات، فقد استوعبت قطر موقف الأردن من أزمتها الخليجية، وعندما لاحت فرصة للرد، حرصت قطر على منافسة “قمة مكة” بعرض اقتصادي للأردن من دون أي اشتراطات سياسية؛ إذ تؤكد مصادر دبلوماسية أن الوزير القطري خلال زيارته لعمان، لم يفاتح المسؤولين الأردنيين بموضوع التمثيل الدبلوماسي، ولم يضع على الطاولة أي مطالب أخرى.
يبقى أن للعرض القطري ميزة إضافية عن سواه من العروض، فالأردن بحاجة ماسة فعلا لمواجهة مشكلة البطالة وتوفير فرص عمل للأردنيين في السوق الخليجي، وإذا ما أحسن البلدان إدارة عملية التشغيل بطريقة فعالة وسريعة فإنها ستترك أثرا إيجابيا ملموسا.
ترى لو أن الحكومة القطرية سارعت هذه المرة للوفاء بحصتها من المنحة الخليجية والبالغة مليارا وربع المليار دولار، ماذا سيكون رد فعل الأردن؟ السؤال يستحق تفكيرا مليا من الأشقاء في الدوحة؟
فهد الخيطان