نالت الحكومة جرعة من الثقة بعد جرعات من النقد. الاستياء العام الذي صاحب تشكيل الحكومة تراجعت حدته بعد المؤتمر الصحفي”الموفق” للرئيس عمر الرزاز ووزيرة إعلامه الزميلة جمانة غنيمات.لقد بدا الرزاز وكأنه يلتقط أنفاسه بعد أيام من القصف الإلكتروني المتواصل.
حزمة مدروسة من الوعود والقرارات أطلقها الرزاز، لامست مطالب مباشرة للمواطنين تعاملت معها الحكومة السابقة بطريقة أججت الشارع وأثارت السخط العام كإعفاء سيارات الهايبرد ومرضى السرطان ومن قبل ومن بعد مشروع قانون ضريبة الدخل سيئ الصيت.
لايمكن اعتبار ما صدر عن رئيس الوزراء خطة عمل حكومية، بل إجراءات عاجلة لمعالجة ملفات ساخنة، تأمل الحكومة أن تستعيد من ورائها زخم الدعم الذي حققه الرزاز عند تكليفه، وخسر كثيرا منه بعد تشكيل الحكومة.
الأكيد أن رئيس الوزراء استعاد توازنه في الشارع بعد المؤتمر الصحفي. ليست جولة حاسمة بالتأكيد، لكنها نقاط ترفع من رصيده. المهم في هذا الصدد أن تلتزم الحكومة بجدول زمني للبت بجميع المواضيع التي أعلن عنها في المؤتمر الصحفي، وإظهار جدية الحكومة في إدارتها لكسب المصداقية، وهي مسألة حاسمة لتجسير الثقة المفقودة بين المواطنين والحكومات.
التحدي الأهم في الأسابيع القليلة المقبلة، إنجاز خطة عمل قابلة للتطبيق في غضون عامين، هو العمر الافتراضي للحكومة قبل أن يحل موعد الاستحقاق لانتخاب مجلس نواب جديد.
بيان طلب ثقة النواب يمكن أن يشكل أساسا لهذه الخطة. وفي هذا السياق ينبغي على الحكومة أن تحسم موقفها من خطة التحفيز الاقتصادي التي تبنتها الحكومة السابقة، فهناك وزراء في حكومة الرزاز يعتقدون أنها ماتزال صالحة رغم مغادرة الفريق الاقتصادي الذي أشرف على إعدادها وتطبيقها.
رئيس الوزراء أتى على ذكر الخطة في المؤتمر الصحفي، لكنه اختار الوقوف في المنطقة الرمادية حيالها، عندما أشار للحاجة إلى متابعة تنفيذ بعض بنودها، وتجاهل مبادئ أخرى.
مصلحة الرزاز أن يقطع مع الماضي القريب، ويشق طريقا جديدة لحكومته غير تلك التي سلكتها الحكومة السابقة، خاصة في الميدان الاقتصادي؛ فالرئيس ونائبه المخضرم الدكتور رجائي المعشر، يقاربان الشأن الاقتصادي-أو هكذا نفترض- من زاوية مختلفة جذريا عن الفريق الاقتصادي لحكومة الملقي. وحاول الرزاز تظهير ذلك في المؤتمر الصحفي، حين أسهب في الحديث عن الأبعاد الاجتماعية للقرارات الاقتصادية، والحاجة لسياسات تراعي الفئات الشعبية، وتخرج من حساباتها مبدأ الجباية الذي سيطر على عقول صانعي القرار الاقتصادي في المرحلة الماضية.
الرزاز توقف أيضا عند طبيعة العلاقة مع صندوق النقد الدولي، وهذه مسألة في غاية الأهمية، وتحظى بحيز واسع من النقاش العام في البلاد، بفعل سلوك وتصريحات لمسؤولين سابقين، خلفت شعورا بالمرارة لدى أغلبية المواطنين لما انطوت عليه من استهانة بكرامة الناس وسيادة الدولة. في كلام الرزاز مايشير إلى نية حكومته إعادة تعريف العلاقة مع صندوق النقد على نحو يضمن مصالح الأردن دون تهاون في القرارات السيادية.
ليس سهلا على الحكومة أن تعالج ملفات متراكمة في فترة قصيرة، لكن بالنسبة للأردنيين المؤمنين بوطنهم، تكفي النوايا الصادقة في البداية لكي يقابلوا الحكومة في منتصف الطريق.
فهد الخيطان