كل رؤساء الحكومات في الاردن، بما في ذلك رئيس الحكومة الجديدة، يؤكدون نيتهم محاربة الفساد، وكلهم يطالبوننا بتقديم الادلة على الفساد، بدلا من الاتهام الانطباعي، بحق الآخرين.
لابد هنا، من الكلام بصراحة، اذ اولا علينا ان نشير الى ان الادلة لا يقدمها الا شخص لديه ادلة، وفي اغلب الحالات، فان الادلة موجودة لدى المؤسسات، التي بإمكانها بطرق كثيرة، ان تطل على حالات الفساد، واسرارها، كونها مختصة بالمعلومات، وترصد اساسا، نمو الثروات، وتعرف من كان فقيرا، واثرى فجأة، او من تورط بقضايا فساد، وعلى هذا لا يجوز ان تكون مهمة تقديم الادلة، مهمة الافراد وحسب، بل مهمة المؤسسات في الاردن، وهي المطالبة بتقديم الادلة على الفساد.
الأمر الثاني يتعلق بقانون «من اين لك هذا؟» وهو القانون المجمد، واذا كان هناك ميزة تاريخية سوف تحسب للحكومة الحالية، فهي تمكنها من فك تجميد القانون، وتغييبه في الادراج، وهو امر مستبعد بصراحة، ليس طعنا في الحكومة، لكن لاعتبارات كثيرة، عرقلت دوما اصدار القانون بصيغته الواضحة والمحددة، والقانون، وهذا هو التحدي الاكبر امام الحكومة، خصوصا، ان هكذا قانون يسمح في الاساس بتوجيه الاسئلة حول مصدر المال، والثراء، وليس انتظار الفاسد، حتى يقع في خطأ.
رئيس الحكومة تحدث في مؤتمره الصحفي، انه يتمنى ان نصل الى مرحلة تصير فيها مساءلة حول من اين لك هذا وواقع الحال يقول هنا، ان قوانين محاربة الفساد في الاردن، على ما فيها من نقاط قوة، الا انها كلها تعتمد على وجود الدليل على الفساد، وهو الدليل الذي قد يقدمه فرد او مؤسسة، او ينكشف جراء خطأ يقع فيه الفاسد، وهذا امر غير كاف، اذ هناك الاف الحالات التي نراها بأم اعيننا وتثبت حدوث تحولات في الثروة، غير مفهومة وغير مبررة، من جانب اسماء، باتت غنية هنا، او لها ثرواتها خارج البلد ايضا، وهي كلها لايتم سؤالها عن مصدر ثرواتها، باعتبار ان ذلك غير متاح قانونيا.
بسبب الاشكالات السابقة، من الطبيعي ان تحدث اغتيالات سمعة، من جانب كثيرين، بحق كثرة ايضا، وللاسف تختلط هنا الحالات، بين من يتم ظلمه، وبين من هو فاسد حقا، واذا كنا ضد اتهام الناس بالباطل، وتشويه سمعتهم، زورا وبهتانا، فإن اغلاق باب التطاول باللسان على الناس، والخلط بين الفساد الحقيقي، وذاك الانطباعي، او الذي يستند الى دافع تصفية الحسابات.
بعد الملفين السابقين، اي ملف الادلة، ومن يقدمها، وملف قانون من اين لك هذا لابد ان تقف كل الدولة، امام الملفات التي تثير الشكوك، من حيث اعادة التحقيق فيها، او تنفيذ اجراءات مختلفة، بحقها، والكل يعرف ان هناك ملفات فساد، لم يقتنع الناس، بشأن معالجتها، ولا تزال هذه الملفات تتعرض للاثارة كل شهر، وهذا يعني ان فتح هذه الملفات مجددا، عبر لجان متخصصة واعتبارية، امر مهم حتى نصل الى نتائج نهائية، لا تكون اطفائية، من اجل طيها، او اثارة الاحساس، بأن هناك قرارا باغلاق هذه الملفات، بأي طريقة كانت.
ما هو اسوأ من كل هذه الملفات الثلاث ذاك الذي يتعلق، بالفساد المغطى قانونيا، بتواقيع، وصلاحيات، وهو فساد لا يخالف القانون شكلا، لكنه مضمونا وروحا فساد خطير، وبين ايدينا ادلة كثيرة على ذلك، وهذا هو الملف الرابع الذي يتوجب ان تقف عنده الحكومة الجديدة، ولربما تدرك الحكومة الحالية، وغيرها، مغزى « الفساد المغطى قانونيا» بما يعنيه ذلك من حماية، وتجنب للاخطاء، والادلة، التي قد تؤكد أننا أمام حالات فساد.
ماهر ابو طير