تستميت وسائل إعلام عربية ومجموعات حقوقية في ممارسة ضغوطها على الأردن لفتح حدوده الشمالية أمام تدفق اللاجئين السوريين. وفي مسعى منها لوضع الأردن في الزاوية الضيقة والمحرجة أخلاقيا، لا تتوانى عن نشر أخبار ملفقة ومعلومات مفبركة عن احتشاد عشرات الألوف من السوريين على الحدود الأردنية.
المعلومات الموثقة والمؤكدة من مصادر أردنية ميدانية، تؤكد أن بضع مئات فقط من اللاجئين وصلوا لنقاط قريبة من الحدود الأردنية، لكن يمكن لهؤلاء أن يصبحوا عشرات الآلاف فعلا، لو أن الأردن أعلن رسميا فتح حدوده.
الأردن لم يرفض مساعدة الهاربين من مناطق القتال والقصف، كما يروج البعض، على العكس من ذلك، قدم تصورا متكاملا لمساعدتهم داخل الأراضي السورية، بما يضمن بقاء السوريين على أرضهم وحماية أرواحهم. إنها مسألة ممكنة ومجربة في العديد من الصراعات، وفي سورية تحديدا هناك ملايين نزحوا عن بلداتهم لمناطق ثانية داخل سورية، ما يسهل عودتهم لبلداتهم الأصلية بمجرد عودة الاستقرار. فلماذا هذا الإصرار والاستعجال على تحويل السوريين إلى لاجئين مشردين خارج أوطانهم؟
في جنوب سورية، هناك مناطق واسعة يمكن أن تشكل ملاذات آمنة للنازحين، وتستطيع منظمات الأمم المتحدة، بالتنسيق مع الجانبين السوري والروسي، الحصول على ضمانات لإقامة مخيمات وتوفير الخدمات لسكان المناطق، أوليس ذلك أجدى من نقلهم لدولة ثانية؟
دعم الأردن خيار “خفض التصعيد” في الجنوب الغربي لسورية، بوصفه حلا انتقاليا لحين التوصل لتسوية سياسية تعود بعدها قوات الشرعية السورية لتبسط سيطرتها على المناطق كافة، كما دعم هذا الخيار لمصلحة أردنية أيضا جوهرها خلق استقرار في المناطق المتاخمة لحدوده للحؤول دون مزيد من الهجرات إلى أراضيه.
الأردن ظل متمسكا بهذا الاتفاق، لكن أطرافا أخرى قررت التنصل منه. لها أن تفعل ما تشاء، لكن عليها أن تتكفل بمعالجة الآثار الإنسانية الناجمة عن التصعيد العسكري.
واشنطن التي كفت يدها عن دعم المسلحين في الجنوب السوري، تستطيع، وفي غضون ساعات، أن تنتزع من موسكو قرارا بتوفير الحماية للمدنيين في مناطق القتال، لماذا لا توجهون ضغوطكم على واشنطن؟
المجموعات المسلحة التي تسيطر على مناطق واسعة في الجنوب بمقدورها هي الأخرى أن تخفف من ويلات شعبها. لقد صار معلوما للجميع بأن هناك ضوءا أخضر دوليا للجيش السوري بالتقدم والسيطرة في الجنوب، وقد أبلغت واشنطن المعارضة المسلحة بهذا الأمر، وأكثر من ذلك قالت لها بصريح العبارة “لا تنتظروا دعمنا”.
ينبغي على المسلحين التسليم بهذه الحقيقة، وإن كانت بطعم المرارة بالنسبة لهم، والتصرف بمسؤولية لحماية الأشخاص الأبرياء وعدم تعريض حياتهم للخطر، وأعتقد أن هذا هو جوهر النقاش الذي يدور حاليا في عمان بدعم من الأردن بين ممثلي المجموعات المسلحة وقيادات عسكرية روسية.
أما بالنسبة لوسائل الإعلام المحسوبة على دول عربية، وبالتحديد خليجية، فلكم الاقتراح الآتي؛ ما رأيكم أن يوافق الأردن على إدخال عشرات الآلاف من السوريين ومن ثم تتولى دولكم إقامة جسر جوي لنقلهم إلى تلك الدول، ليقيموا هناك إلى حين توفر ظروف مناسبة لعودتهم لبلادهم، أسوة بمليون سوري استقبلهم الأردن على مدار السنوات الأخيرة؟
لماذا على الأردن دون سواه من الدول العربية، خاصة تلك التي أنفقت المليارات على الثورة السورية، أن يتحمل عبء اللاجئين؟!
فهد الخيطان