كتّاب

“اللامركزية” تحتضر في الميدان

أعد قانونيون من أعضاء مجالس المحافظات “اللامركزية” وثيقة تعديلات مقترحة على قانون المجالس بهدف منحها صلاحيات أوسع في الرقابة والتشريع بما يخص محافظاتهم.
بالتجربة العملية، ثبت لكل أطراف المعادلة الرسمية والأهلية أن تجربة مجالس المحافظات بصيغتها الحالية قد فشلت.
أسباب الفشل تعددت تبعا لرؤية كل طرف؛ أعضاء المجالس المنتخبين يردون الفشل إلى القانون الذي جردهم من أي صلاحيات، واختصر دورهم بإقرار موازنات المحافظات لا غير.
على الطرف الآخر، ثمة اعتقاد بأن مخرجات العملية الانتخابية لم تسعف التجربة الوليدة، فمعظم الفائزين بعضوية المجالس لا يملكون الخبرات الكافية للقيام بمهامهم، وفضل بعضهم البحث عن الامتيازات الشخصية على حساب الخدمة العامة.
لكن قصة الفشل لا يمكن اختصارها بهذه الأسباب. صحيح أن القانون لا يساعد أبدا في نجاح التجربة، ففي ظل الشكوك الرسمية حيال دور المجالس، حرص المشرع على تقليص دوره في التشريعات، تحسبا من صلاحيات واسعة تؤدي إلى اختلالات في عمل الحكومة المركزية. لكن في تقدير أعمق لجهات تتابع التجربة عن كثب، هناك اعتقاد بأن الاستعجال في تأسيس المجالس والتوجه لانتخابها قبل تعزيز اللامركزية في العمل الحكومي أحبط التجربة.
من وجهة نظرهم، المجالس المنتخبة ينبغي أن تتوج عملا إداريا منظما يعزز اللامركزية في الممارسة قبل إجراء الانتخابات.
الممارسة العملية حاليا، تشير إلى وجود تعقيدات شديدة في العلاقة بين ممثلي السلطة التنفيذية في المحافظة والمجالس المنتخبة، فشلت كل المحاولات لتعريفها وتبسيطها. وعلى الجانب الآخر، يبدو التداخل والتنافس على أشده بين المجالس البلدية ومجالس المحافظات. البلديات المنتخبة تتحسس من تدخلات مجالس المحافظات في شؤونها، والمحافظون يشكون الأمرين من “تطفل” أعضاء مجالس المحافظات، وهكذا نشأت علاقة إشكالية باتت تعيق عمل الجميع.
بعد الانتخابات البلدية واللامركزية، بذلت السلطات جهودا كبيرة لشرح العلاقة بين الأطراف الثلاثة، وتحديد أدوارها، لكن في التطبيق العملي وقع الاشتباك.
أعضاء المجالس يعتقدون أن المخرج هو بتعديل قانون اللامركزية، وتوسيع صلاحياتها، ورسم خطوط العلاقة بوضوح بينها وبين الهيئات الأخرى. غير أن القائمين على الحكم المحلي في المحافظات يتوجسون من هذا الرأي، ويعتقدون أن منح المجالس مزيدا من الصلاحيات سيفاقم المشكلة.
الرأي الثاني يرى الحل في التراجع كليا عن فكرة المجالس المنتخبة، والاستعاضة عنها بتشكيلة تضم ممثلي الهيئات المنتخبة في المحافظات؛ رؤساء البلديات وغرف الصناعة والتجارة والنقابات المهنية والعمالية، وسواها من الفعاليات الشعبية المنتخبة في كل محافظة.
وبتقديرهم أن تشكيل المجالس على هذا النحو سينهي حالة التنافس على الصلاحيات، ويخلق نسقا جديدا للتعاون بين مختلف الفعاليات، وعندها يصبح بالإمكان التفكير بتوسيع صلاحيات مجالس المحافظات، وإيجاد آليات للعمل المشترك والمستدام مع السلطة التنفيذية، بعيدا عن الحسابات الشخصية والمصلحية.
لم تحسم الحكومة أمرها حيال هذه المقترحات، لكن قانون مجالس المحافظات مثله مثل قانوني الأحزاب السياسية والانتخاب، سيكون على طاولة البحث في الأشهر المقبلة.
التجربة بصيغتها الحالية غير قابلة للاستمرار، وينبغي التفكير بحلول لإنقاذ مشروع اللامركزية من الموت المحتم.

فهد الخيطان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *