كتّاب

خبايا وألوان الطيف الأردني

في كل يوم تسمع وفي المناسبات الرسمية وغير الرسمية، يحاول البعض أن يتذاكى على الحضور باستحضار مفردة أو مثل أو قصة من التراث، فيتولى سردها وشرحها بلغة تصويرية لجمهور المستمعين من دون وجود شاهد على أن الرواية صحيحة أو أن السامعين مهتمون لسماع الرواية.
هذه المشاهد تتكرر كثيرا لدرجة أصبحت فيها تقليعة يلجأ لها كل من يرغب في أن يلفت الأنظار لعمق ثقافته وسعة اطلاعه حتى وإن كان الاستخدام في خارج السياق وبعيدا عن خبرات وتجارب السامعين. على منصة مجلس النواب الأردني، ظهر أحد النواب قبل أكثر من عام ليستل من التراث الإسلامي نصا مشبعا بالمفردات التي لا تنسجم مع الخطاب المدني الذي يتبناه الخطيب، فتحدث بحماس شديد عن قضايا (الملك والجند والخراج والعمارة… إصلاح العمال واستقامة الوزراء) من دون أن يمهد أو يشرح لمستمعيه الأهداف من الاقتباس أو التوظيف لهذه المفاهيم في السياق الثقافي السياسي الاجتماعي القائم أو يلمح لأسباب الحماس الزائد الذي صاحب تلاوة النص المكتشف.
في فترة غير بعيدة، وخلال الدورة الحالية، أعاد الرئيس المكلف اقتباس جزء من النص الذي بدا وكأنه خارج السياق. وقد حاول إعادته مرة أخرى موحيا بغير قصد بأن النص اكتشاف غريب يتطلب الكثير من التأمل.. الحالة نفسها تتكرر بالمستوى الذي يقود الى استنتاج أننا نعيش في حقبة تتسم بالكثير من التباين والاختلاف.
الكثير ممن يشغلون الفضاء العام يستسهلون التعبير عن أفكارهم بلغات أجنبية، والعديد منا يشعر بالحاجة الى إغناء سيرته بلغات ومهارات وأدوات تعبير تتجاوز حدود الثقافة العربية وتجلياتها المحلية. ومع كل ذلك، فإن الثقافة الأردنية بالغة التعقيد بالرغم من بساطتها الظاهرة…
التكوين العرقي الديني الجغرافي الديموغرافي الأردني متنوع، والموروث الثقافي لكل جماعة أو مكون من الموزاييك الأردني غني ومتفرد عن غيره من المكونات لدرجة يصعب استيعابها أو فهم معانيها ودلالاتها من قبل المكونات الأخرى… البدو والشراكسة والدروز وأبناء المدن الفلسطينية والأكراد والأرمن لهم عادات وتقاليد وأطعمة ورقصات وطقوس في الخطبة والزواج والطلاق وإقامة الحفلات تتفاوت بدرجات متباينة. المسلمون والمسيحيون يخضعون لأحكام ومراسم مختلفة في الزواج والطلاق والانفصال والميراث.
اللغة واللهجات التي يتحدث بها السكان متباينة لدرجة تسمح لك بالتعرف على أصل المتحدث من اللهجة أو اللكنة التي يتحدث بها. في السنوات والعقود الأخيرة ابتعدت الأجيال الجديدة عن العادات والتقاليد الأصلية التي نشأت في المجتمع والبيئة الزراعية، وتشكلت لدى الشباب الجدد والأطفال في المدن مفردات وعادات وطريقة تعبير تختلف عن العادات والقيم والأمثال والرموز التي شكلت ثقافة المجتمعات التقليدية ومنحتها عناصر الوحدة والتماسك والقدرة على التوجيه والضبط لأعضاء المجتمع والحيلولة دون التفكك والانهيار.
الكثير من الأردنيين يصرون على استخدام لهجاتهم الخاصة في حالة يمتزج فيها الشعور بالاعتزاز العرقي الجهوي الطائفي المكاني مع الرغبة في الإفصاح عن هوية فرعية تطغى على الهوية الجامعة التي يجري الحديث عنها في الصحافة والكتب والخطابات.
في البلدان الأوروبية والكثير من المجتمعات متعددة العرقيات والثقافات والأديان، يوجد حرص بالغ على بناء هوية جامعة يحملها ويتمثلها الجميع من دون إغفال حق المكونات كافة في التعبير عن هويتها وثقافتها الفرعية بكل أريحية ويسر.
من الصعب أن تحرز الأمة تقدما من دون أن تعرف هويتها وتعمل على تحصينها وصيانتها لتشكل بناء معنويا صلبا يولد الانتماء ويحقق الاعتزاز الوطني ويشكل قاعدة للتنافس والإنجاز.

د. صبري الربيحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *