بعد خمسة أيام من المناقشات الصاخبة جلس فيها الوزراء بدون عمل، نالت حكومة الدكتور عمر الرزاز ثقة النواب مثلما كان متوقعا.
إلى جانب الانتقادات لبرنامج الحكومة وتوجهاتها، حفلت كلمات بعض النواب بهجوم عنيف على بعض الوزراء، وصلت إلى حد التجريح الشخصي. وكان هذا متوقعا في ضوء ردود الفعل على تشكيلة الرزاز التي لم تسعفه في استطلاعات الرأي العام، وفرضت عليه في وقت مبكر التلميح والتصريح بنيته التعديل بعد انقضاء مهلة المائة يوم.
لكن أي تعديل يقنع النواب والمعترضين. هناك نواب احتجوا على وزراء جدد، ومثلهم كثر اعترضوا على عودة 15 وزيرا من الحكومة المستقيلة. وفي الشارع الانقسام ذاته حول التشكيلة. وإذا ما فكر الرزاز بإرضاء الطرفين، فسيكون أمام مهمة أكبر من التعديل ترتقي إلى إعادة التشكيل، ولا أظن أن ذلك الأمر وارد في البال.
الأفضل أن نترك العربة تسير للأمام، وبدلا من الانشغال بالتشكيلة، تكرس الحكومة وقتها للعمل على البرامج والخطط التي تنوي الحكومة إطلاقها على أكثر من صعيد ومن بعد يخضع الأداء للتقييم كما قال رئيس الوزراء. وفي اعتقادي أن التقييم الجدي لا يبدأ إلا بعد إقرار قانون الموازنة للعام المقبل والمفترض أن يعكس أولويات الحكومة، ويترجم بالأرقام والمخصصات سياساتها ومشاريعها.
الحكومة لم تبخل على الأردنيين في الالتزامات والوعود، ويظهر رئيسها رغبة صادقة في إنجاز كل ما يستطيع، لكن، وفي المقابل أصبح لدى قطاع واسع من المواطنين قدر أكبر من الواقعية، وإدراك للمحددات والظروف التي تحكم العمل والإنجاز. ولا يضير الحكومة إذا خرجت يوما للناس واعترفت بعدم قدرتها على تحقيق هدف من أهدافها، فذلك أفضل من ادعاء بطولات وهمية.
ولن يكون صعبا على الأردنيين أن يفهموا بأنه ومقابل المواقف السياسية التي اتخذها ويتخذها الأردن، فإننا سنواجه تحديات جساما. لقد أثار عدد كبير من النواب قضايا استراتيجية كبرى كصفقة القرن التي يدور حولها الحديث واتفاقية تأجير أراضي الباقورة والغمر لإسرائيل التي تنتهي بعد أشهر.
إن الموقف الذي سيتخذه الأردن من هذه القضايا، سيكون له أثر كبير على أوضاعنا. ينبغي أن نعي ذلك مبكرا، حتى لا ندخل في موجة تلاوم مستقبلا، خاصة مع اللهجة الحاسمة والقاطعة التي تحدث فيها الرزاز عندما تناول القضيتين أعلاه.
وكما هو واضح، هناك رغبة لدى الرئيس والحكومة بتخفيف حدة الاحتقان في ملفات داخلية؛ العفو العام والعبء الضريبي وقضايا معيشية ومطلبية لفئات اجتماعية أخرى. لكن على أهمية هذه المواضيع، تعلم الحكومة أن البت فيها يتطلب مقاربات محسوبة بدقة، فالعفو العام بالمنطق السائد يصعب تحقيقه، وقد جرب سابقا ولم يساعد على الحد من الجرائم والمخالفات، ناهيك عما يترتب عليه من خسائر مالية للخزينة وحقوقها.
وتبقى المعضلات الكبرى وطرق إدارتها كالمديونية والعلاقة مع صندوق النقد الدولي وقانون الضريبة تحديات وجودية، تؤثر سبل التعامل معها بشكل حاسم على مسار الأردن الاقتصادي والاجتماعي، وتحتاج من الحكومة لمقاربة تضمن المصالح الوطنية على المدى البعيد.
إزاء هذه التحديات، يغدو الكلام عن التشكيل والتعديل تفاصيل صغيرة لا تستحق أن ننشغل بها. المهم أن نذهب إلى العمل فورا.
فهد الخيطان