الخدمات الصحية الأردنية لم تعد كما كنا نعرفها في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي، فكل ما فيها تغير تماما وأصبحت صادمة لجيلنا الذي اعتاد على نوع من الخدمات في زمن كان يشكو منه العالم من تفشي الأمراض وارتفاع معدلات الوفاة ونسبة نجاة منخفضة من الإصابة في أمراض كان الأردن قد تخلص منها نهائيا.
من المستشفى الإيطالي الى فلسطين وملحس والمعشر وماركا العسكري والأشرفية وعمان الكبير وغيرها من الصروح الطبية، كان الأردن يقدم نماذج لمؤسسات طبية رائدة تجمع بين قيم المهنة التي يتضمنها قسم المنتسبين وحرفية الأطباء الذين التحقوا بالمهنة عن حب وشغف وإيمان.
الخدمات الطبية الملكية التي أسست شبكة المستشفيات العسكرية أوجدت منظومة من الخدمات التي حازت على إعجاب المواطن وأعطت للمؤسسة العسكرية معاني إنسانية وتنموية تتجاوز الأدوار التي علقت في أذهان الجمهور وأسست للدور الإنساني الذي نهضت به الأردن في التصدي للحروب والكوارث على طول بلاد الكون وعرضها.
في الوقت الذي تنتشر فيه مستشفيات الميدان الأردنية في آسيا وأفريقيا وجزر هاييتي ومناطق الكوارث، يعاني المواطن الأردني الكثير من التحديات، وهو يسعى للحصول على أبسط أنواع الخدمة الصحية على أرض وطنه.
اليوم إذا ما واجهك عارض صحي (لا سمح الله) وقررت الذهاب الى أحد المشافي الأردنية في عمان أو الزرقاء وحتى في بعض المناطق النائية، فمن المحتمل أن تنتظر لساعات لتجد متسعا في الطوارئ وقد لا تجد سريرا في المشفى إذا تطلبت حالتك الدخول.
المستشفيات الخاصة ليست أحسن حالا من الحكومية، فالخدمات السريعة لم تعد موجودة والروح التي كان يستقبل فيها المريض غابت عن مؤسساتنا التي طالما تغنينا بريادتها. من الضروري قبل التوجه الى المستشفى أن تتأكد بأن هناك من ينتظر قدومك ومن غير الممكن أن تسير الإجراءات بدون أن يكون بصحبتك من يتابع الإجراءات ويتولى عملية التنبيه والتذكير والتحفيز للعاملين للإسراع في الحد من معاناة المراجع.
طوارئ مستشفياتنا لا تشبه بأي حال من الأحوال الصورة الذهنية لأقسام ووحدات الطوارئ التي عرفناها في المسلسلات والأفلام الأجنبية. في معظم المستشفيات لا أحد مستيقظ تماما إلا أمناء الصندوق والمحاسبون، في حين ينشغل البقية في أحاديث جانبية أو طرح الأسئلة على الزملاء حول إذا ما كان ذلك الطبيب قد حضر أم لا.
في آخر إحصائية يجري تداولها حول عدد الأسرّة، تشير البيانات الى وجود ما يزيد على 13700 سرير أو ما يكفي لسد حاجة 14 مليون نسمة حسب المعايير العالمية. في ضوء هذه الأرقام ووجود آلاف الأطباء الخريجين والعاطلين عن العمل، فلا يوجد تفسير لقضية عدم توفر الأسرة واستيعاب المرضى الأردنيين إلا واحد من اثنين: إما أن الأرقام المتداولة حول عدد الأسرة مبالغ فيها أو أن السياحة العلاجية والهجرة واللجوء القسري عوامل مهمة في رفع الضغط على البنى التحتية الصحية وتردي نوعية الخدمات التي يتلقاها المواطن.
في مستشفياتنا المكتظة بالممرضين والممرضات، توجد حاجة كبيرة للتدريب على فن التمريض بما في ذلك تفهم معاناة المريض ونوع المرض وأهمية التفهم والتعاطف والإرشادات الواضحة وسرعة الاستجابة للنداء والمخاطبة السليمة. من غير اللائق أن تكون مفردات الممرضة في الحديث مع المريض “يا حج”!!
القطاع الصحي الأردني بحاجة الى هيكلة ومعايير ونهضة تليق بالدولة والمهنة وتاريخها وروادها.. حكاية “نعتذر ما فيه سرير” مؤشر على مجابهتنا لأزمة صحية قد تتفجر في أي لحظة.
د. صبري الربيحات