كتّاب

الحرية وشبح التنمر

لا أختلف كثيرا مع حق الأفراد في أن يبدوا آراءهم حول مختلف القضايا والشؤون العامة، فهذا الأمر من الحقوق التي منحها الدستور للمواطن. المدهش في ممارسة حرية التعبير يكمن في عدم إدراك البعض حدود المسموح والمحظور أو ما يمكن أن ينشر ولا ينشر.
في الماضي، كان للنظم أعراف وتقاليد وعادات يلتزم بها الجميع ويحرص القادة والشيوخ والكهنة وسائر مستويات القيادة على تطبيقها. في حالات نادرة يمكن الخروج على قواعد السلوك وتجاوز القيم والعادات والتقاليد، فللمخاطبة أصول وللحديث مناسبات ويتكافل الجميع بما في ذلك الأسرة والقبيلة والدين على تدريب الفرد على الطاعة والاحترام والتقيد بقواعد وبروتوكولات التواصل والمخاطبة والتعبير.
مع حدوث الثورات العلمية والتكنولوجية والسياسية وتطور وسائل الاتصال، أصبح الأفراد أقل اكتراثا بالتقاليد وأكثر ميلا للتعبير عن آرائهم واتجاهاتهم ومواقفهم حيال كل ما يدور حولهم ويعنيهم. اليوم وبفضل انتشار وسائل الاتصال والتواصل الاجتماعي، أصبح الأفراد يملكون منابر ومنصات تمكنهم من صياغة الرسائل وبثها والاطلاع على كل ما ينشره غيرهم من قصص وأخبار وبسرعة تفوق في كثير من الأحيان ما تنشره المؤسسات الإعلامية ووكالات الأنباء بالرغم من تخصصها وانتشارها وملكيتها لوسائل التكنولوجيا وفنيات التحرير والبث والتصوير.
الخطورة التي تحملها الأوضاع الجديدة تتمثل في غياب القواعد والمعايير والأخلاق لدى بعض من استهوتهم مهنة الإعلام فتحولوا الى صناعة وبث القصص والأخبار. في حالات كثيرة استغل بعض من عملوا في الإعلام وغيرهم ممن لم يعملوا حالة الجمود والتحجر والاسترخاء التي يتسم بها الإعلام الرسمي فأسسوا لأنفسهم مواقع وقنوات ومنصات للبث الإعلامي عبر وسائل التواصل المتاحة.
في أوقات قياسية، استطاعت بعض هذه المواقع والحسابات وقنوات البث جذب عشرات آلاف المتابعين ممن يتوقون الى الأخبار ذات الصبغة الفضائحية. البث الجديد عبر وسائل التواصل الاجتماعي من قبل المئات من النجوم الجدد يكتسب جماهيرية عالية ومستويات متابعة أعلى من خلال حرص أصحابها على تقديم خطاب يعنى بالشأن العام والتوجه الى تسمية أشخاص أو مؤسسات أو جماعات باعتبارهم غير مؤتمنين على الشأن العام أو يمثلون تهديدا للصالح العام.
بعض المؤسسات الجديدة وظفت هذا الخطاب لابتزاز الأفراد والمؤسسات وأحيانا بعض المسؤولين وطورت أساليب وأدوات ومهارات مكنتها من أن تكون أدوات فاعلة في الصراع بين القوى والجماعات والخصوم بحيث تبدي من وقت لآخر استعدادها لتقديم الخدمات المدفوعة لمن يحتاج لها.
الشارع الأردني الذي يتداول من وقت لآخر أخبارا وقصصا وروايات يجري بثها على بعض مواقع ومنصات تم خصخصة أعمالها ونشاطاتها لخدمة من يدفع أكثر، يشعر بخطورة هذه الظاهرة وتناميها وقدرتها على العبث بالحقائق والقيم والأخلاق التي من المفترض أن تشكل الأطر والموجهات للعمل الصحفي والإعلامي.
التنمر الإلكتروني وتناول الأفراد لبعضهم بعضا بالشتائم والتجريح تحت باب حرية النشر والتعبير أمر في غاية الخطورة. من المهم أن يكرس الناس وقتا لنقل وتداول ونشر المعلومات المفيدة لأمن واستقرار البلاد ولمكافحة الفساد شريطة أن تكون مرجعية الناشر الحقيقة والمصلحة العامة ولا شيء غير ذلك. تصوير بعض الفاسدين على أنهم نساك وقديسون عمل لا يرقى الى أخلاقيات المهنة ويكشف عن هشاشة وضعف نفوس من يحترفون مهنة التطبيل للفاسدين والتنمر على من يخالفهم.

د. صبري الربيحات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *