كتّاب

تعاظم السخرية الشعبية الأردنية

ارتفع منسوب السخرية في أوساط الشعب الأردني في الآونة الأخيرة بطريقة ملفتة لم تكن مألوفة لدى الأردنيين سابقا حيث كانوا يمتازون بالجدية الزائدة والكشرة الصارمة التي أصبحت ماركة مسجلة للأردنيين يتم تداولها لدى الشعوب العربية الشقيقة، ولكن يبدو أن ازدهار السخرية واشاعة روح النكتة في المجتمع هي محاولة جماعية فطرية للتغلب على الظروف الصعبة التي فاقت قدرة الأردنيين على التحمل، فانفجرت قريحتهم بالهروب نحو التهكم والسخرية المريرة التي غالباً ما تكون من طراز ( شر البلية ما يضحك ).
تداول الأردنيون نكته جميلة ومعبرة في العيد الماضي، وهي مستوحاة من أدبيات العيد الممزوجة باحساس سياسي عميق تجاه الأوضاع القائمة، تستحق عناية الأردنين جميعاً بغض النظر عن تفاوت مواقعهم على سلم المسؤولية، تقول النكته أن أحد الأردنيين من عداد الطبقة الوسطى اشترى خروفا ذا قرنين طويلين  ووجهاً صبوحاً املحا وجسماً سميناً متوازناً، بثلاث مئة وثلاثين دينارا أردنيا عداً ونقداً، ووجد ترحيباً من العائلة التي وعدت بالعناية به ريثما يأتي العيد، ليكون  قرباناً وفداءً عن العائلة في هذه المناسبة السعيدة، ورافق ذلك جملة كبيرة من الاحلام السعيدة لدى أفراد العائلة تفوح منها رائحة الشواء اللذيذة، ومتعة أشد في توزيع اللحوم على الأرحام والأقرباء والأصدقاء والجيران، وأصبح الخاروف حديث الحي بأكمله.
تفاجأت العائلة بموت الخاروف الاملح قبل موعد الذبح العظيم وأصيبت العائلة بخيبة امل كبيرة تعادل ضخامة الاحلام المعشعشة في وجدانهم، وتعرض رب العائلة لصدمة  هائلة وساورته جملة من الشكوك الغريبة حول موت الخاروف المفاجئ، هل كان مريضاً من قبل، أم انه تعرض لمحاولة اغتيال مدبرة من الذين يجيدون فن اغتيال الشخصيات الكبيرة، ومن أجل قطع دابر الشك باليقين، قرر الرجل المصاب أن يأخذ الخاروف الميت إلى عيادة بيطرية للكشف على الجثة والوقوف على أسباب الوفاة، وكانت الصدمة أكبر من الصدمة الأولى عندما أخبره الطبيب أن سبب الوفاه نتيجة جلطة حادة، فما كان من الرجل الاّ أن جلس على كرسي خيزران ليس له ظهر ولا أيد، ورفع أكمام قميصه، ووضع يديه على ركبتيه موجهاً وجهه نحو الخاروف الميت وهو يحادثه ويطرح عليه مجموعة من الأسئلة الكبيرة والعديدة :-
–  ما الذي جلطك يا عزيزي، وهل أستطيع أن أعرف السبب الذي جعل الخرفان  تصاب بالجلطة وهل الجلطات امر مألوف لديكم فعلا؟
–  هل غضبت الى درجة المقت مثلاً من قضية الفساد الكبرى المتعلقة بالدخان، وهل ذهلت من حجم المعلومات المرعبة التي تتعلق بشخصيات كبيرة سهلت وتواطأت بتمرير هذه الجريمة الكبرى، ولم تستطع تحمل الصدمة؟
–  هل من المعقول أنه لم يعجبك مشروع قانون ضريبة الدخل الجديد، ولم تعجبك الاجراءات والخطوات الحكومية التي تمت من قبل الفريق الوزاري المختص فيما يتعلق بالمنظومة الضريبية الشاملة ولم يتم إعادة النظر في العبء الضريبي الذي يهد حيل  المواطن الأردني؟
–  ما الذي جلطك يا محترم؟ هل اجتمعت عليك مصاريف العيد وفتوح المدارس والجامعات  وتراكمت عليك الأقساط، وهل لحظت الفرق الكبير في فاتورة الكهرباء مثلاً، وفاتورة الماء والهاتف والانترنت، وأقساط الشقة والسيارة والعفش والفرن والثلاجة الجديدة؟
– هل شاهدت مثلاً موكب عرس على طريق، ورأيت الشباب  وهم يغلقون  الطريق العام اغلاقا تاما ، وقد خرجوا من سياراتهم  ووقفوا على ظهور السيارات يرقبون حشد الأزمة الهائل الذي يليق بالعريس وعائلته؟
– هل من المعقول انك تقرأ العبارات المسيئة  والمسفة على الفيس بوك ووسائط التواصل الاجتماعي، وجلطتك حجم الاساءة غير المحتملة ممن يدعون العلم والدين والثقافة والفهم!
–  أم هل جلطتك قرارات الإدارة الأمريكية بقطع التمويل عن الاونروا، وشطب حق العودة، وابتزاز العرب واحتقارهم الى درجة مزرية لم تستطع تصورها؟
–  أنا اريد ان اعرف السبب الحقيقي فقط، لعله الباص السريع الذي تخطف سرعته الابصار ومضى على العمل به ما يقارب العشر سنوات وهناك سنوات طويلة قادمة؟
– هل من المعقول أن تكون قد اصابتك الجلطة عندما رأيت أزمة السير المتفاقمة وغير المحتملة وبلا افق  ولا حلول، التي حولت شوارع العاصمة إلى كومة حديد؟
– أم أن الموضوع متعلق ببعض أولئك الذين يستأثرون بالمناصب العليا، والرواتب العليا، والفئات العليا، والمكافآت والمياومات العليا على حساب الموازنة؟
–  أنا خايف أن أداء مجلس النواب مش عاجبك ولا اللامركزية، ولا الهيئات المستقلة، والله ما أنا عارف!
–  طيب كيف لو عرفت أن الأمور أخطر من ذلك بكثير. وأن مستقبل الأوطان في خطر، والهوية في خطر والمقدرات والثروات في خطر، والثقافة في خطر، والعرب والامة كلهم في مهب الريح؟
–  على كل حال الله يرحمك ويرحم الـ ( 330 ) دينارا، فهي فداء  للحقيقة ومعرفة الحقيقة والوصول للحقيقة، وعظم الله أجرنا فيك وفينا، ورحم الله كل المجلوطين، وكل الذين على قوائم الانتظار.

د. رحيل غرايبة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *