لا أستغرب ابدا أن ينبري القاعد للسائرين. ولا أن ينبري السائر للماضين خببا. ولا أن ينبري السائر خببا للمحلقين المبدعين، الذين يختزلون الوقت والمسافات والجهود والأكلاف.
استغرب ان يستغرب الكرماء المعطاؤون الميدانيون، الذين في زنودهم عزم وحمية وحرارة، وفي قلوبهم منسوب وافر من العون، أن يستغربوا من حسد الحاسد ومن إعاقة المعيق.
لا يجدر ان يلتفت المتقدمون المتطوعون لخدمة وطنهم أو بلدتهم أو حتى حيهم، إلى الثرثرة واللقلقة التي تصدر عن المعيقين. ولا يجدر ان يعطوا ادنى انتباههم، الى محاسبة المحاسبين الجامدين العاطلين عن العطاء، فاقدي الأمل، الحاسدين السلبيين.
فأولئك ينطبق على حالتهم الشخصية المزرية، قول الإمام الشافعي يرحمه الله:
اصبر على كيد الحسود
فإن صبرك قاتله،
فالنار تأكل بعضها
إن لم تجد ما تأكله.
إن افتراض الموضوعية والإيجابية والفرح، من كل الناس، لأي انجاز يتم لخير الناس، ولو كان انجازا صغيرا، فيه منسوب عال من البراءة والطيبة. وهي صفات حميدة طيبة، غير أنها لا تتناسب مع متخصصي «بنشرة» الإطارات و رش الأسيد والسواد على الإنجازات، كي لا يشاهدونها فتفقع مراراتهم.
ولا أوافق على قول «إن كل سوء الظن من حسن الفطن». فقد حدد لنا رب العزة «إن بعض الظن إثم» -الحجرات- وليس كل الظن إثم. مما يستدعي أن نقف عند النقد البناء وان نأخذه على محمل حسن وان نعتبره رأيا آخر يفيدنا، تطبيقا لقاعدة: «ظن بأخيك خيرا». حتى لو لم يتوفق صاحبه في عرضه وبسطه وبيانه.
والفرق بين النقد والنقر شاسع وواسع. ولا يخفى على اللبيب تمييز الطيب من الخبيث. وتمييز الرأي البناء من الرأي الهدام.
نحتاج بقوة إلى من يدلنا على أخطائنا ونواقصنا وغفلاتنا فالكمال والواحدية لله وحده عز و جل. اما في الجهود الانسانية مهما سمت المقاصد فسيظل يشوبها نقص يظل محتاجا إلى تصويب وتصحيح نجده عند الآخرين الذين هم النعيم تارة والجحيم تارة أخرى.
واصلوا العطاء أيها المواطنون الذين في زنودكم عزم وحمية وحرارة فحزب الكنبة هو اقدم الأحزاب، ولن «يركد ربابته» إلى قيام الساعة، رغم أنه يعرف أن «فعفطته» لا توقف عجلة البناء والعطاء والنماء.
محمد داودية