السؤال الاكثر اثارة للجدل في الاردن، على مستويات معينة، يتعلق بملف الاشقاء السوريين، وعودتهم من الاردن الى سوريا، وبرغم ان اجابات هذا السؤال، متعددة، ومتناقضة احيانا، الا ان ما يمكن قوله، بشكل محدد وواضح، ان لا تصور محددا ونهائيا، لدى مركز القرار في عمان بشأن مآلات السوريين في الاردن، وما الذي سوف يحدث على صعيد وجودهم هنا؟!.
عند استبصار المعلومات، حول هذا الملف بالتحديد، يقال لك ان هذا الملف معقد جدا، اذ ان الاردن على الصعيد الدولي، ولاعتبارات قانونية وانسانية، لها علاقة بالتزامات الاردن، لا يمكن ان يتم اجبار السوريين على العودة في ظل هذه الظروف، او حتى لو توقفت الحرب، كما ان الاردن اشتبك ماليا، على صعيد طلب المساعدات، بملف الوجود السوري في الاردن، مما ولد التزامات كثيرة.
من جهة اخرى، فإن العلاقات الاردنية السورية، باردة جدا، وبرغم محاولات تحسين العلاقات مع دمشق الرسمية، الا ان المؤشرات باهتة حتى الان، فلا توجد اي ادلة على رغبة دمشق بالانفتاح الكامل على الاردن، الا ضمن شروط تريدها سوريا، وليس ادل على ذلك من الموقف السوري من فتح الحدود والمعابر فهو موقف بارد وسلبي، خصوصا، في ظل اتهامات دمشق للاردن، بكونها شجعت على اللجوء، ودعمت فصائل وتنظيمات، وساعدت في نشوء هذا المشهد.
هذا يعني من جهة ثالثة ان دمشق تريد معاقبة السوريين والاردن، معا، وعقاب السوريين على خروجهم وهجرتهم، وهو امر نراه في بقية المهاجر، باعتبارهم ضغطوا على عصب النظام بظاهرة اللجوء، اضافة الى ان عقاب الاردن، وفقا لما تظنه دمشق الرسمية، يرتبط بإنهاكه وتحميله ما لا يحتمل، وادخاله طرفا في كلف الازمة السورية، عبر بقاء السوريين في الاردن بما يعنيه ذلك، من اعتبارات اجتماعية وسياسية واقتصادية وامنية، اي اغراق الاردن، بكل هؤلاء.
النقطة الاهم تتعلق بنوايا دمشق الحقيقية، واذا ما كانت حريصة اساسا، على عودة هؤلاء، وهناك مخاوف اردنية من رغبة النظام باعادة رسم الخارطة الديموغرافية-المذهبية في سوريا، عبر تهجير اكبر عدد ممكن من السوريين السنة، من اجل تشكيل سوريا الجديدة بطريقة مختلفة، ويستدل مطلعون على ذلك، بأدلة من بينها، المحاذير التي تضعها دمشق بوجه مئات الاف السوريين الذين لم يخدموا خدمة العلم، وباتوا مطلوبين اليوم، ويواجهون عقوبات مختلفة، ولا يعقل ان يعود هؤلاء، او ان تعود عائلاتهم الى سوريا، وتعريض انفسهم لاشكالات كثيرة، اضافة الى قرارات دمشق الرسمية بشأن العقارات واثبات ملكيتها، والاشكالات الكبيرة، التي يواجهها هؤلاء.
مع كل ما سبق، فإن اعداد العائدين تثبت يوميا، ان العدد قليل جدا، فلماذا يعود السوري الى بيئة غير آمنة، وحتى لو توقفت الحرب لماذا يعود الى بيئة ثأرية، وغير آمنة استراتيجيا، في ظل الانهيار الاقتصادي، وامكانات اعادة التعمير التي تبدو منخفضة برغم كل الكلام الدعائي، عن سهولة هذا الامر، وهم يعيشون هنا في الاردن، وقد اشتبكوا مع البيئة الاقتصادية، واستقر اولادهم في المدارس، بل ان الاجيال التي ولدت في الاردن، اكتسبت لكنة اردنية، وباتت تعرف الرمثا واربد، اكثر من مناطق سوريا المتعددة، اضافة الى تأثيرات الغياب لثماني سنوات، وهي تأثيرات ممتدة.
خلاصة الكلام، ان هذا الملف معلّق، ومركز القرار في عمان، يحلل كل السيناريوهات، وهي اصعب من بعضها البعض، وما يمكن قوله بشكل واضح ومباشر، ان لا تصور نهائيا حول هذا الملف، بل ان التقييمات غير المعلنة تؤكد ان الاردن تم تحويله الى حاضنة سنية، في المنطقة، وان الاردن بات طرفا مباشرا في الازمة السورية، وان عودة السوريين مؤجلة حتى اشعار آخر، وكل الخطط البديلة بما فيها تدخل الروس، تصطدم بعراقيل اكبر.
ماهر ابو طير