لا يمكن اعتبار قرار الحكومة السورية رفع رسوم “الترانزيت” للشاحنات خطوة موجهة ضد الأردن لمجرد تزامنها مع مباحثات أردنية سورية لفتح المعابر بين البلدين. سورية في طور الخروج من حرب دامية كلفت البلاد خسائر بمئات المليارات، ومن الطبيعي أن تسعى حكومتها لتعزيز مواردها المالية خاصة من العملات الأجنبية.
المباحثات بين البلدين بدأت على المستوى الفني لبحث خطوات استعادة حركة النقل البري بين البلدين. لجنة فنية مشتركة عقدت اجتماعها الأول، ومن المقرر أن تعقد مزيدا من الاجتماعات في الأسابيع المقبلة.
وقبل أسابيع فقط توجه العشرات من رجال الأعمال الأردنيين إلى دمشق بدعوة من الجانب السوري، قدمت السلطات الأردنية كل التسهيلات لإتمامها.
وكما ذكرنا من قبل هناك أمور فنية ولوجستية تتطلب بحثا مفصلا بين الطرفين، لضمان عودة الحركة من خلال معبر نصيب. الجانب السوري من الحدود تعرض لسنوات طويلة من غياب السلطة المركزية، ويحتاج لعمليات ترميم وإعادة بناء وتجهيز. والمركز الجمركي هو الآخر غير قائم من الناحية الفنية ويتطلب ترتيبات يعكف الجانب السوري على إنجازها.
لكن من شبه المؤكد أن تعود حركة الشحن بين البلدين بشكل تدريجي قبل نهاية العام الحالي، فخلال هذه الفترة ستكون السلطات السورية قد شملت كامل مناطق الجنوب السوري بسلطتها، ووفرت الضمانات الأمنية اللازمة للشاحنات على الطريق الواصل لدمشق.
كما قلت هذه مسائل فنية، يخضع تقديرها للمختصين من الجانبين، ولا يوجد عائق سياسي يعترض فتح المعابر الحدودية. وبالنسبة للجميع هناك مصالح مشتركة باستعادة زخم العلاقات الاقتصادية، وتبدي دول جوار أخرى كلبنان اهتماما بفتح المعبر مع الأردن نظرا لترابط المصالح التجارية للدول الثلاث.
لكن يتعين عدم رفع سقف التوقعات بشأن العوائد المحتملة لاستئناف التجارة بين البلدين، على الأقل في المرحلة الأولى، بالنظر للظروف الصعبة التي يمر فيها الأشقاء حاليا، والحاجة لتوفير تدابير قانونية وإجرائية لاستعادة النشاط التجاري.
العلاقات الأردنية السورية لم تنقطع إطلاقا طوال سنوات الأزمة، ورغم توقف الاتصالات السياسية كانت هناك مسارات أخرى للعلاقة على المستويين العسكري والأمني. وفي الوقت الحالي أصبح لدى الأردن تصور أشمل لمستقبل العلاقات رغم تدهور الثقة الذي صاحب سنوات الأزمة.
صحيح أن الوضع الأمني في سورية لم يستقر بعد بشكل كامل، والعالم يركز أنظاره حاليا على معركة إدلب المنتظرة، وما سيسفر عنها من تداعيات، في ظل الموقف الأميركي المضطرب والمتشنج. وعلى الجانب الآخر ما تزال بقايا الجماعات الإرهابية في مناطق أخرى من سورية تشكل تهديدا لجميع الأطراف، يستدعي تعاونا على كل المستويات بين دول المنطقة لتطهير سورية نهائيا من العناصر الإرهابية، خاصة الأجنبية. وعلى رأس أولويات الأردن في المرحلة المقبلة تأمين الظروف المناسبة لعودة اللاجئين السوريين إلى ديارهم بشكل ميسر وطوعي، وتظهر مسوحات ميدانية أن نسبة لا بأس فيها من اللاجئين في الأردن باتت شبه مقتنعة بالعودة.
الأردن يعمل عن كثب مع الحلفاء والشركاء لتأمين الاستقرار في سورية، وثمة تعاون وثيق جدا مع الجانب الروسي لتحقيق هذا الهدف، إلى جانب سياق عربي قيد التبلور للتعامل مع التطورات في سورية من منظار جديد.
فهد الخيطان