كتّاب

لماذا يصدق الناس الإشاعات؟

التشخيص السائد لظاهرة انتشار الإشاعات والأخبار الكاذبة وتصديقها من قبل الناس ومرتادي “السوشال ميديا”، على وجه الخصوص، ليس كافيا أو دقيقا بالمرة، من وجهة نظري.
التفسير يستند لمفهوم دارج يقول إن غياب الثقة بمؤسسات الدولة وامتناع السلطات عن التواصل الإعلامي مع الجمهور في الوقت المناسب هما السبب وارء انتشار الإشاعات والأخبار الملفقة.
ينبغي أولا أن نتذكر بأن الأخبار المزيفة هي ظاهرة عالمية تضرب المجتمعات باختلاف طبيعة أنظمتها السياسية، ديمقراطية كانت أو غير ذلك. الرأي العام الأميركي كان ضحية تضليل إعلامي وأخبار مفبركة خلال الحملات الانتخابية، ولا أظن أن أحدا يشك بوجود ديمقراطية راسخة في أميركا وحريات إعلامية تخترق السماء، ومع ذلك كان من السهل ترويج إشاعة مفادها أن هيلاري كلينتون تدير حلقة إباحية تستخدم الأطفال من مطعم بيتزا في واشنطن!
عديد الدول الأوروبية ذات التقاليد الديمقراطية العريقة التي تحوز على مؤسسات رسمية تحظى بثقة شعوبها تعاني من الظاهرة. ألمانيا، على سبيل المثال، اضطرت لتعديل تشريعات لإلزام منصات التواصل الاجتماعي على محاربة الأخبار الكاذبة وتلك التي تحض على الكراهية، بعدما لمست أثرها السلبي على توجهات الرأي العام.
في أحيان كثيرة أراقب مسار الإشاعة منذ لحظة ولادتها لأكتشف أنه وبعد تفنيدها من قبل الجهة المعنية تستمر في الدوران بين حسابات المواطنين من دون أن يلتفت أحد للتوضيح أو التفنيد الصادر لها.
أميل إلى التحليل المستند لاستخلاصات علم النفس ومفاده أن الناس في العموم تستهويهم الأخبار المزيفة والإشاعات المثيرة، خاصة ما تعلق منها بالمشاهير من الساسة والفنانين ونجوم المجتمع، وتفضل تدويرها ونشرها رغم معرفتهم في قرارة أنفسهم أنها غير صحيحة.
ستيفن روزنباوم كاتب أميركي تخصص في دراسة ظاهرة الأخبار المزيفة، أشار في مقال له نشرته “الغد” العام الماضي، إلى أن أغلب القراء لا يترددون في مشاركة أو إعادة نشر التغريدات التي تدعم تحيزاتهم ومعتقداتهم الخاصة، من دون أدنى اهتمام بصدقيتها أو جدارتها الإخبارية.
في الولايات المتحدة، على سبيل المثال، يشير روزنباوم إلى موقع “ريديت” كأفضل نموذج للمواقع المتخصصة بنشر خطاب الكراهية للنساء والترويج للنازية وتبادل المواد الإباحية الخاصة للأطفال، ورغم سمعته السيئة يرتاد الموقع نحو 300 مليون زائر شهريا، ليحتل المرتبة الرابعة لأكثر المواقع استقبالا للزائرين في الولايات المتحدة والثامن على مستوى العالم.
لقد دفعت التحولات المرعبة في دور الإعلام الرقمي بالباحثين الغربيين إلى وصف المرحلة التي نعيشها في الإعلام بعالم ما بعد الحقيقة. وأظهرت دراسة أجراها معهد بيو قبل عامين أن غالبية المهنيين في وسائل الإعلام ومؤسسات النشر والدوائر الأكاديمية يصنفون الانترنت باعتباره “بؤرة تجميع لخطاب الكراهية، والغضب، والمتصيدين”.
ثقافة الكراهية التي تسجل حضورا واسعا في الخطاب السائد هي التي تدفع بالكثيرين إلى تجاهل الحقائق عن قصد، وترويج الإشاعات التي تتفق وسرديات الكراهية.
وفي بلادنا يمكن أن نضيف للكراهية ثقافة الخوف وعدم اليقين بالمستقبل، التي تجعل أي شخص يصدق الإشاعة أو الأخبار المزيفة التي تحمل قلقا على المستقبل وتنبئ كذبا بأحداث خطيرة ستقع في الأردن، بمجرد نشرها.
وثمة مراكز خارجية وداخلية تدرك هذه الحقيقة المؤسفة، وتعمل على إذكائها وتوظيفها لتعميق الخوف في نفوس الناس ودفعهم لليأس من واقعهم، والحط من مكانة مؤسساتهم، والتبشير بخراب قادم لا محالة، وبعبثية الوضع القائم، لا بل وأنه مرشح لمزيد من التدهور.

فهد الخيطان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *