كتّاب

خاشقجي ضحية الحرب الإعلامية

الحرب الإعلامية بين معسكري الأزمة  بلغت ذروتها في حادثة اختفاء الصحفي السعودي جمال الخاشقجي.
الحادثة اللغز تحولت لميدان صراع عنيف، سخرت لأجله كل الوسائل المتاحة، واستخدمت فيه أكثر أنماط الصحافة ابتذالا. لم يعد مهما الوصول إلى الحقيقة، بل فبركة الأحداث لتبدو وكأنها حقائق، في سعي متبادل لشيطنة الآخر، وتحطيم صورته الأخلاقية وسمعته.
لا يجرؤ عاقل على قبول فكرة احتجاز شخص بسبب رأيه وقتله وتقطيعه في قنصلية تبدو وكأنها قد تحولت لملحمة كما تداولت وسائل إعلام. لكن هذه الرواية على بشاعتها لم تثبت بعد. الجانب التركي تصرف بحكمة وتعقل بانتظار نتائج التحقيقات.
في البداية نسبت وكالة رويترز العالمية تصريحات لمسؤولين اتراك تفيد بأن الخاشقجي دخل القنصلية السعودية ولم يغادرها وقتل هناك. كان التساؤل مشروعا، هل يعقل أن هذه المعلومات القاطعة ليست بحوزة رئيس الجمهورية رجب طيب أردوغان، الذي خرج بتصريحات متأنية وحذرة مطالبا الجميع انتظار نتائج التحقيق؟!
في وقت لاحق نفت مصادر تركية مسؤولة رواية “رويترز”، وكشفت عن وصول وفد أمني سعودي لتركيا لإدارة تحقيق مشترك في واقعة اختفاء خاشقجي.
ملابسات الحادثة تحفز الخيال الصحفي على نحو مثير للغاية، والأهم من ذلك أنها وفرت مادة خصبة للتوظيف في الحرب الدائرة بين المعسكرين، والتي امتدت ساحتها لتشمل وسائل إعلام أميركية وبريطانية، وصحفا ومجلات عريقة تدير الحرب في مستواها الدولي.
هنا تصبح حياة جمال الخاشقجي التي تفوق في أهميتها كل الاعتبارات، أداة من أدوات الصراع، لا تحركها بالضرورة اعتبارات إنسانية وإخلاقية، وتعلق بالحريات الفردية والصحفية، بل الرغبة بإيذاء الآخر وتحطيم سمعته، وتأليب العالم ضده، قبل أن تستقيم الوقائع والتحقيقات على رواية متكاملة وموثقة. فكلا المعسكرين لا يملكان تاريخا ولا أعرافا في احترام المعارضة والمعارضين، وفي سيرتهما صفحات سوداء من الانتهاكات لأبسط الحقوق.
سيرة ومسيرة خاشقجي بحد ذاتها مثلت تناقضا رهيبا بين المواقف. الصحفي الذي انحاز طويلا لسردية الحكم في بلاده، وأيد التدخل العسكري في اليمن، وضغط لاجتياح قوات بلاده سورية برا، انتقل إلى صف المعارضة لاحقا، وكان إبان الربيع العربي وبعده لا يرى مستقبلا للديمقراطية في بلادنا إلا إذا انتهت بحكم الإخوان المسلمين حكما. كان راديكاليا إسلاميا بثوب ليبرالي فضفاض، ووجد نفسه في خندق معارضة الخارج دون وعي مسبق.
لكن من الآن وحتى تتضح الحقيقة يمكن قول كل ما نرغب فيه عن شخصية وسيرة خاشقجي المثيرة والمضطربة، أما عندما تحل الحقيقة جلية بين أيدينا، فلا ينبغي أن نتردد أبدا في الوقوف بخندق الإنسان وحريته، واستنكار الجريمة إذا ما أثبتت التحقيقات التركية وقوعها على الأراضي التركية.
ولحسن حظ الإعلام الأردني أنه وبكل وسائله لم يتورط في حالة الاستقطاب الجارية حاليا، وحافظ على تغطية متوازنة للأحداث ما تعلق منها بحادثة اختفاء خاشقجي أو ما سبقها من فصول الأزمة المستعرة. لأنها حرب بشعة بحق دمرت القيم المهنية والأخلاقية لوسائل الإعلام، وأحالتها إلى بنادق بيد المتحاربين.

فهد الخيطان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *