كتّاب

علی هامش إشاعات الأسبوع الماضي

الأسبوع الماضي كان الاقتصاد ھو ضحیة الإشاعات. قطاعات متعددة نالتھا أخبار مفبركة عن إفلاسات بالجملة وھروب جماعي لأصحاب أعمال وشركات.
استندت الإشاعات إلى حالات فردیة تتكرر سنویا، جرى نفخھا وتضخیمھا ومن ثم تعمیمھا، لتغدو وكأنھا حالة انھیار شاملة. وبدوافع الفضول والإثارة تكفل المئات من أصحاب النوایا البریئة ترویج ھذه الأخبار على مواقع التواصل الاجتماعي. انعدام الخبرة والمھنیة لدى عدد محدود من وسائل الإعلام دفع بھا إلى التورط بنشر الفبركات.
لم یثبت بشكل قاطع أن تعمیم الإشاعات ونشرھا یكون بشكل مبرمج دائما. ھناك على الدوام حسابات تسھر على إنتاج الإشاعات، لكن الانتشار الواسع یحدث تلقائیا على ید جمھور واسع من المتعاملین على مواقع التواصل الاجتماعي.
ولا یتعلق الأمر دائما بالموقف من الحكومة والسلطات ومعیار الثقة من عدمھ، ففي أحیان كثیرة كالإشاعات التي طالت رجال أعمال مؤخرا، لا تكون الحكومة الطرف المستھدف بالأخبار الكاذبة. وفي سوابق عدیدة كانت الحقائق متوفرة حول القضایا المطروحة، إلا أن ذلك لم یقلل
من حجم الإشاعات.
بمعنى آخر، مقدار الثقة بالحكومات والمؤسسات لیس ھو العامل الحاسم في انتشار الإشاعات من عدمه.
المجموعات التي تعمل بشكل منظم في ترویج الإشاعات، تتعمد تجاھل المعلومات المتوفرة حول موضوع الإشاعة، لتضمن لقصتھا الخیالیة فرصة الانتشار على حساب الحقیقة. أما في حالة الجمھور العریض من المتفاعلین على ”السوشال میدیا“ فالاھتمام بالإشاعات یتراوح بین عدة أسباب؛ التسلیة عبر نشر أخبار تفتح الشھیة للدردشة وكسر الروتین الیومي، وخلق الإثارة بین جمھور الأصدقاء وإثبات الحضور عن طریق تقدیم معلومات صادمة تشد اھتمام الآخرین.

وفي حالات أخرى یكون مرد نشر أخبار یعرف مروجھا أنھا كاذبة ھو التعبیر عن النقمة تجاه مؤسسات بعینھا أو أشخاص بصرف النظر كانوا مسؤولین أم لاعتبارات خاصة.
”المواطن الصحفي“ مفھوم مختلف كلیا عن جمھور“السوشال میدیا“، إنھم الأفراد الذین طوروا مع الزمن مھارات تؤھلھم لإنتاج الأخبار وتزوید وسائل الإعلام بھا، ویحوزون على قدر معین من المعرفة بالقواعد المھنیة والأخلاقیة التي تحكم عمل وسائل الإعلام العریقة.
لكن ھناك نوع ثالث بات یعرف عالمیا باسم ”الجیوش الإلكترونیة“، وھم مجموعات من النشطاء یجري تسخیرھم لتعمیم محتوى موجھ ضد طرف أو أطراف بعینھا، ونشر أخبار مزیفة تستند أحیانا على بیانات صحیحة یجري تضمینھا لمحتوى مزیف لتمریر المعلومات والآراء المضللة.
في اعتقادي أن المدخل الأساس لفھم وتفكیك ظاھرة الإشاعات على ”التواصل الاجتماعي“، ھو مدخل سسیولوجي. المجتمعات العالمیة عموما توجھ تحدیا غیر مسبوق یتمثل بالثورة الرقمیة، وھي تقترب الیوم من جیلھا الخامس، لكنھا ھي في الأساس مجتمعات تقوم على الموروث والثقافة التقلیدیة والعلاقات الاجتماعیة المتراكمة وفق منظومة خاصة بكل مجتمع. لم تتمكن ھذه المجتمعات بعد، خاصة في عالمنا الثالث، من التكیف مع التدفق الھائل للمعلومات وكیفیة التعامل معھا وتوظیفھا لمنفعة البشر، وثمة من ھو مستعد للتلاعب بھذه المعرفة وتوجیھھا نحو أھدافه الخاصة.
كلما زادت معرفتنا بالحقائق تكشف جھلنا.

فهد الخيطان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *