كتّاب

الملك والأمراء في قمة إسطنبول.. معنى الرسالة

نالت مشاركة الأردن بالقمة الاستثنائية للمؤتمر الإسلامي في إسطنبول، اهتمام وسائل الإعلام والمراقبين بما يفوق اهتمامهم في القمة ومجرياتها. والسبب مستوى التمثيل الأردني الرفيع وغير المسبوق. الملك عبدالله الثاني ترأس وفدا ضم أشقاءه الأربعة؛ الأمراء فيصل وعلي وحمزة وهاشم، إلى جانب وزير خارجيته ومدير مكتبه ومستشاريه.
اجتهد المحللون في تفسير المغزى من وراء هذه الخطوة. البعض وضعها في سياق الاصطفافات العربية والإقليمية، وآخرون قالوا إنها تعبير عن قلق الأردن من عزلة وافتقاد للدور التقليدي في الصراع العربي الإسرائيلي.
تفسيرات لم ترق لمستوى الحدث، ولا لشعور الأردن بمستوى المسؤولية التي يضطلع فيها. مستوى التمثيل الملكي في قمة إسطنبول يعكس مستوى الاهتمام في قضية القدس بشكل خاص وقضية الشعب الفلسطيني بشكل عام.
مشاركة أربعة أمراء هاشميين في وفد يرأسه الملك هي الترجمة السياسية لمبدأ الوصاية والرعاية الهاشمية للمقدسات الإسلامية والمسيحية في القدس المحتلة، وإعلان صريح من أرفع مستوى في العائلة الهاشمية بأن دورها ودور الأردن في حماية وصيانة المقدسات غير قابل للمساومة أو التفريط مهما كانت الاعتبارات السياسية والدولية.
رعاية الهاشميين للمقدسات ليست مسألة دينية خالصة فقط، إنما قومية وسياسية بدرجة كبيرة. المحافظة على الطابع العروبي والإسلامي للأماكن الدينية في المدينة المحتلة يعني صيانة الهوية العربية للقدس.
المشروع الصهيوني يستهدف هذه الهوية ورموزها، وهي إلى جانب صمود المقدسيين آخر ما تبقى من علامات الهوية الفلسطينية والعربية والإسلامية في مدينة القدس التي استحوذت سلطات الاحتلال على معظم أراضيها وأحيائها.
الملك يدرك خطورة المشروع الصهيوني لتهويد القدس، ولهذا السبب بذل جهودا مضنية لخلق أكبر إجماع عالمي لدعم الوصاية الهاشمية على المقدسات الإسلامية والمسيحية، فنال تأييد الأمم المتحدة ودولة الفاتيكان الممثل للعالم الكاثوليكي، والمنظمات والهيئات الإقليمية والدولية والعربية والإسلامية كافة.
كان هذا التأييد أكبر دعم تلقته القدس والقضية الفلسطينية في السنوات العشر الأخيرة التي شهدت انهيار عملية السلام، وصعود اليمين المتطرف في إسرائيل ووصول إدارة منحازة لإسرائيل في البيت الأبيض.
ومع مرور الوقت، أصبحت الوصاية الهاشمية على المقدسات هي الوسيلة الوحيدة لردع إسرائيل، وأداة الدبلوماسية العربية للتحرك، بعدما أغلقت أبواب مجلس الأمن في وجه الدول العربية، وصار انتقاد إسرائيل في المحافل الدولية خطا أحمر بفضل الحماية الأميركية.
إسرائيل تحترم دور الأردن في القدس على مضض، لأنها تدرك حجم الدعم الدولي الذي يحظى فيه هذا الدور، ولأن التراجع عن التزامها بهذا الخصوص، يعني نهاية معاهدة السلام مع الأردن.
لم تكن دول عديدة في المنطقة تدرك أهمية الوصاية الهاشمية وقيمتها السياسية إلا بعد اختبارها في المواجهة مع إسرائيل، وهو ما دفع دولا؛ مثل تركيا وإيران، للإقرار بأهمية هذا الدور والإشادة فيه وإعلان دعمها لمواصلته، كمدخل أخير لحماية المدينة المقدسة من التهويد.
لكن مثلما أكد الملك في خطابه بقمة إسطنبول، فلا سبيل لتعزيز صمود الفلسطينيين والمقدسيين ودعم الرعاية الهاشمية للمقدسات، إلا بتمكين الفلسطينيين اقتصاديا لتثبيتهم على أرضهم. فمن من العرب يلبي هذا النداء؟

فهد الخيطان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *