كتّاب

الانتباه واجب والقلق غير مبرر

تستحق التطورات الجارية على جبهتنا الشمالية متابعة حثيثة من الجميع، وهي تلقى بالفعل عناية فائقة من المسؤولين وأصحاب القرار السياسي والعسكري والأمني؛ ليس هذه الأيام فحسب، بل منذ فترة طويلة. وقد استعدت المؤسسات على مختلف المستويات لكل السيناريوهات المتوقعة، فما يحدث حاليا لم يكن تطورا مفاجئا أو غير محسوب.
لا شيء، في اعتقادي، يدعو إلى التطير والمبالغة في القلق، فليتقدم الجيش السوري صوب الجنوب ويستعيد السيطرة على كامل الحدود السورية مع الأردن. اتفاق خفض التصعيد بتعريف الأردن ليس حالة دائمة، بل مرحلة انتقالية لتعود بعدها الأمور لما كانت عليه قبل ثلاث سنوات.
مصير المعارضة المسلحة في الجنوب السوري لا يعنينا، هي حرة في قرارها، إن رغبت بالقتال أو اللجوء إلى تسوية، والأردن مستعد لمساعدتها في الحالة الثانية. واشنطن تخلت عنها، والمقاربة السورية بمجملها تبدلت بشكل جذري منذ أشهر طويلة.
ما يعنينا أمور أساسية عدة؛ حماية حدودنا، وهذا واجب تتكفل فيه قوات الجيش العربي “حرس الحدود” بكفاءة واقتدار منذ سبع سنوات. وعدم تحميل الأردن التبعات الإنسانية للتصعيد العسكري، وقد أعلن أكثر من مسؤول أردني بشكل واضح وصريح أن الأردن لن يستقبل لاجئا واحدا، ولا توجد قوة تجبرنا على التخلي عن موقفنا هذا.
تستطيع المنظمات الدولية أن تقدم المساعدة للنازحين من درعا داخل سورية وتقيم المخيمات كما تشاء، ولن يبخل الأردن في تسهيل هذه المهمة لكن بعيدا عن أراضيه.
لا بد من تحذير أطراف المواجهة كافة بأخذ ما يلزم من إجراءات لتجنب سقوط القذائف داخل الأراضي الأردنية، وعلينا من طرفنا أن نتخذ الاحتياطات اللازمة للتعامل مع حوادث مشابهة لما حصل سابقا.
لدى الأردن خطوط اتصالات مفتوحة مع مختلف القوى الفاعلة في المشهد السوري، ويمكن توظيفها لحماية المصالح الأردنية أولا، ودعم الجهود الدبلوماسية لخفض التصعيد العسكري وإنجاز تسويات تضمن انتقالا سلسا للسيطرة للقوات السورية.
لقد بدا واضحا منذ أشهر، أن الخلافات الأميركية الروسية تفعل فعلها في الأزمة السورية، وخلف الكواليس كان الأردن يعلم أن هناك ترتيبات روسية إسرائيلية في الجنوب السوري، وقبل ذلك بوقت طويل أخذ الأردن علما بنية واشنطن الانسحاب من سورية، ولم يردها عن ذلك سوى بعض الاعتبارات الآنية والتفاهمات المؤقتة مع حلفائها.
قبل أسابيع من بدء الهجوم السوري في الجنوب، قال مسؤول أردني رفيع المستوى إن الأمور تتجه لصفقة في منطقة خفض التصعيد سيتم بموجبها فتح معبر نصيب مع سورية.
الأمور تسير بهذا الاتجاه، لكن المواجهة العسكرية قد تستغرق وقتا طويلا، ومن غير المستبعد أن تحصل تعقيدات إضافية في الميدان، خاصة مع تلويح تنظيم داعش الإرهابي بالتدخل لدعم المعارضة المسلحة في الجنوب. هنا قد تتغير حسابات بعض القوى الدولية.
لكن، في كل الأحوال، الأردن في وضع مثالي للدفاع عن مصالحه، وقادر على التكيف سريعا مع المتغيرات والاستجابة للتطورات. المهم أن يصمد على مواقفه من قضايا اللاجئين، ويغلق الحدود في وجه المتسللين والإرهابيين، أما ما يحصل خلف الحدود فليس شأننا على الإطلاق.

فهد الخيطان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *