تتعرض قضية الشعب الفلسطيني لأشرس هجوم سياسي في تاريخها. على مر العقود الماضية، كانت الإدارات الأميركية منحازة لإسرائيل، لكنها لم تكن معادية للفلسطينيين كما الإدارة الحالية.
لقد كان بالإمكان دوما إيجاد هامش سياسي “أميركي” بين الانحياز لإسرائيل والاعتراف بحقوق نسبية للشعب الفلسطيني، تمثل بتبني حل الدولتين وعدم الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل والإقرار بقضايا الحل النهائي والحاجة لتسويتها عبر المفاوضات.
إدارة ترامب انقلبت على تاريخ طويل من المواقف السابقة، فانتقلت من حالة الانحياز لإسرائيل إلى الإنكار الكامل لحق الفلسطينيين في الوجود؛ شعبا ودولة، فليس في قاموسها شيء اسمه القدس ولا اللاجئون وحق السيادة والدولة المستقلة. وذهبت أبعد من ذلك إلى حد إلغاء صفة اللجوء عن فلسطينيي الشتات، ومصادرة حقهم الأممي في المساعدة الإنسانية التي أقرها مجلس الأمن الدولي 68 عاما والمتمثل بإنشاء وكالة غوث وتشغيل اللاجئين “الأونروا”.
بالأمس القريب، أغلقت إدارة ترامب مكتب التمثيل الفلسطيني في واشنطن وهددت بملاحقة قضاة المحكمة الجنائية الدولية لقبولها النظر في جرائم جنود الاحتلال الإسرائيلي. أبواب مجلس الأمن أصبحت مغلقة في وجه الفلسطينيين والعرب، ولم يعد بالإمكان إصدار أي قرارات تدين جرائم الاحتلال أو أعمال الاستيطان، الذي أصبح في التعريف الأميركي الجديد “مشاريع إسكانية”.
والمثير للسخرية حقا، أن إدارة ترامب تقدم كل هذه الهدايا التاريخية لإسرائيل قبل أن تكشف عن خطتها للسلام في المنطقة، إنها في واقع الأمر تلغي الحاجة لأي مفاوضات مستقبلية، فما من شيء بقي على الطاولة للتفاوض عليه.
وسط هذا الواقع الكارثي، تثور الأسئلة عما يمكن فعله في مواجهة الغطرسة الأميركية. منذ أشهر اختارت السلطة الفلسطينية قطع الاتصالات الدبلوماسية مع واشنطن في محاولة للضغط عليها للتراجع عن مواقفها المنحازة لإسرائيل. لكن ذلك لم يجد أبدا، على العكس استثمرت إدارة ترامب ومن حوله من أنصار نتنياهو هذا الموقف لمزيد من المكاسب.
بشكل أو بآخر، يتعين على السلطة الفلسطينية مواصلة الاشتباك الدبلوماسي على الساحة الأميركية، فهناك قوى وازنة في الولايات المتحدة تعارض سياسات ترامب المحاصر حاليا بالفضائح الأخلاقية والمالية، ويقبل على انتخابات الكونغرس النصفية وسط توقعات بخسارة الأغلبية في مجلس النواب وربما الشيوخ. ستكون هذه الخسارة إذا ما تحققت مكسبا يمكن البناء عليه لفرملة المجموعة الصهيونية التي سيطرت على البيت الأبيض في عهد ترامب.
على المستوى العربي، ينبغي إدراك هذه التحولات ومواصلة حشد الدعم الدولي للقضية الفلسطينية وعزل السياسة الأميركية المتهورة في الشرق الأوسط.
البعض يريد تحميل الأردن وحده مسؤولية المواجهة مع واشنطن، ولا يسأل إلا عن موقف عمان من صفقة القرن. هذا سلوك غير منصف ومتحامل على الأردن.
لقد كنا حتى وقت قريب نمتعض من وصف الصراع بالفلسطيني الإسرائيلي ونعد ذلك تقزيما لقضية العرب والمسلمين، لكن عندما تلوح الأزمة نوجه الأنظار والاتهامات أحيانا للجانبين الفلسطيني والأردني للتصدي للمؤامرة ونتجاهل دور الدول والشعوب العربية والإسلامية، فأين دورهم حقا؟، وهل يستطيع شعب تحت الاحتلال ودولة بقدرات الأردن المحدودة أن يتصديا وحدهما لمخططات ترامب؟!
فهد الخيطان